د. خالد فهمي
اننا كشعب في حالة ثورة مستمرة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وما ثورة ٢٥ يناير إلا آخر مرحلة من مراحل كفاحنا لإجبار الدولة المستبدة على خدمتنا بدلا من أن تسخرنا نحن على خدمتها.
فلماذا استعصت علينا هذه المهمة؟
لماذا يصعب علينا إنهاء وضعنا كرعايا في وطننا ؟
ولماذا نجد كل هذه المشاق لإجبار دولتنا على التعامل معنا كمواطنين ذوي حق أصيل في هذا البلد؟
لماذا يصعب علينا إنهاء وضعنا كرعايا في وطننا ؟
ولماذا نجد كل هذه المشاق لإجبار دولتنا على التعامل معنا كمواطنين ذوي حق أصيل في هذا البلد؟
هنـــــــــاك
خمسة أسبابوقفت، وما زالت تقف، أمام محاولاتنا الإقامة نظام ديمقراطي في بلادنا.
خمسة أسبابوقفت، وما زالت تقف، أمام محاولاتنا الإقامة نظام ديمقراطي في بلادنا.
أولاإن الحقبة الاستعمارية من تاريخنا الحديث والواقع ما بعد الاستعماري من تاريخنا المعاصر يوضحان كيف أنه، وبالرغم من كل حديث الغرب عن نشر الديمقراطية، فإن هذا الغرب نفسه لم يدخر وسعا لكي يجهض جهودنا التحررية ويقضي على كل مبادراتنا الدستورية. فكما أوضحت أعلاه، لم يتردد الإنجليز عام ١٨٨٢ في التضحية بالحركة الدستورية الوليدة وفي الانتصار لحليفهم المستبد، الخديوي توفيق. وكرروا نفس السيناريو عام١٩٢٢ عندما تدخلوا بشكل سافر في عملية كتابة الدستور، ورجحوا كفة القصر على حساب البرلمان، وأعطونا استقلالا منقوصا مشوها. وعندما أفلت شمس الامبراطورية البريطانية وسطع نجم أمريكا في المنطقة بل في العالم لم تفوت واشنطن الفرصة لكي تدعم الديكتاتورية في بلدنا كما فعلت في سائر البلدان العربية .
ثانياكان لامتداد الصراع العربي الإسرائيلي على مدار قرن كامل أبلغ الأثر على جهودنا التحررية، فهذا الصراع شتت جهودنا، واستنزف قدراتنا، واستخدمه حكامنا بخبث وخسة حتى يأجلوا تنفيذ أية إصلاحات ديمقراطية. “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" شعار رُفع لإسكات أي صوت ينادي بالحرية والديمقراطية وبالمشاركة المجتمعية. كما أن هذا الصراع عزز من وضعية الجيش في مجتمعاتنا، وعندما فشل الجيش في التصدي للهيمنة الإسرائيلية على الحدود حول جهوده إلى الداخل وكرس جهوده لبناء امبراطورية اقتصادية ولفرض هيمنته على شتى مناحي الحياة السياسية الاجتماعية والاقتصادية. وكان من الطبيعي أن ينظر
الجيش لنا بشك وعداء بعد أن علت أصواتنا تطالب بالديمقراطية والشفافية والمحاسبة.
الجيش لنا بشك وعداء بعد أن علت أصواتنا تطالب بالديمقراطية والشفافية والمحاسبة.
ثالثا أثبت ظهور النفط في منطقتنا أنه كان نقمة علينا كشعوب بقدر ما كان نعمة على حكامنا. فالأنظمة الرجعية المحافظة لم تدخر وسعا في تعضيد القهر والاستبداد والظلم. وما انتصار الثورة المضادة في مصر والبحرين سوى خير دليل على التأثير الكارثي
الأموال النفط على الجهود الديمقراطية في بلادنا.
الأموال النفط على الجهود الديمقراطية في بلادنا.
رابعا
إن مأساة ثورتنا تكمن أيضا في عدم استطاعتنا كشعب أن ننظر للماضي لنختار لحظة نتفق عليها جميعا كأساس (متخيل) قد تصلح كنقطة انطلاق للمستقبل. أو بعبارة أخرى، لا توجد حقبة تاريخية ما نجحنا في الاتفاق على محوها من ذاكرتنا لكي نستطيع أن ننهض من كبوتنا. فلو نجحنا في التخلص من مبارك، هل يعني ذلك أن نبني على ما تركه لنا أسلافه، السادات أو عبد الناصر؟ هل نود جميعا أن نعود لناصرية الستينات؟ هل نحلم بالعودة للـ"عصر الذهبي للحكم الليبرالي" وبه ما به من استعمار واستبداد وفساد؟ وبالطبع لا يوجد بيننا من يود للعودة لحكم الخديوي، اللهم إلا بعض المصابين بنوستالجيا الخديوي اسماعيل وحريمه. لايوجد لدينا عصر ذهبي في الماضي يمكن استخدامه للبناء عليه حتى ننطلق لمستقبل أكثر رحابة وأنسا.
إن مأساة ثورتنا تكمن أيضا في عدم استطاعتنا كشعب أن ننظر للماضي لنختار لحظة نتفق عليها جميعا كأساس (متخيل) قد تصلح كنقطة انطلاق للمستقبل. أو بعبارة أخرى، لا توجد حقبة تاريخية ما نجحنا في الاتفاق على محوها من ذاكرتنا لكي نستطيع أن ننهض من كبوتنا. فلو نجحنا في التخلص من مبارك، هل يعني ذلك أن نبني على ما تركه لنا أسلافه، السادات أو عبد الناصر؟ هل نود جميعا أن نعود لناصرية الستينات؟ هل نحلم بالعودة للـ"عصر الذهبي للحكم الليبرالي" وبه ما به من استعمار واستبداد وفساد؟ وبالطبع لا يوجد بيننا من يود للعودة لحكم الخديوي، اللهم إلا بعض المصابين بنوستالجيا الخديوي اسماعيل وحريمه. لايوجد لدينا عصر ذهبي في الماضي يمكن استخدامه للبناء عليه حتى ننطلق لمستقبل أكثر رحابة وأنسا.
خامسا ولزيادة الطين بلّة، فإن مأساة ثورتنا تكمن في أننا في محاولتنا كشعب أن نواجه استبداد الدولة وجدنا أنفسنا نطرح سؤالا آخر مستعصيا، سؤال لم نستطع إيجاد جواب له على مدار القرن المنصرم، وأعني بذلك سؤال الهوية، والإسلام السياسي، وعلاقة الدين بالدولة. ففي خضم جهودنا لإيجاد جواب لسؤال علاقة الجيش بالسياسة، وجدنا أنفسنا مضطرين للإجابة على السؤال الآخر الأكثر صعوبة، سؤال علاقة الدين بالسياسة. وهذا، بدوره، ذكرنا بأسئلة وجودية طرحناها على أنفسنا طوال عقود طويلة خلت، أسئلة جاءت الآن لتطل علينا ولتجدنا في أسوأ لحظة للتعامل معها.
***
لكن وبالرغم من كل هذه التحديات التاريخية، فأنا مازلت متفائلا بنجاح هذه الثورة. لا أقصد أن الثورة ستنتصر اليوم أو في الشهر القادم أو في العام القادم أو حتى في العقد القادم. فبناء على العوائق التاريخية التي ذكرتها سيكون من السذاجة الاعتقاد أن المسألة مسألة أيام أو شهور، وسيكون من العبط أيضا الاعتقاد أننا سننتصر بضربة قاضية تطرح هذه الدولة أرضا وتقيم مجتمعا فاضلا بين ليلة وضحاها.
ولكن وبالرغم من الانتصار المدوي للثورة المضادة، فأنا على يقين بأن المستقبل لنا وأننا نشهد الآن بداية نهاية هذه الدولة المستبدة.
تفاؤلي منبعه عاملان أساسيان. الأول هو أننا وإن كنا في حراك ثوري لمدة قرنين من الزمان، إلا أن ما قمنا به في ثورة يناير فاق في أهميته ما سبقه من إنجازات. نحن أثبتنا لأنفسنا أننا أصحاب إرادة وصوت وعمل. لقد نجحنا بحراكنا وعزيمتنا إن نحدث تغييرا عميقا، فلم يحدث من قبل وعلى مدار تاريخنا الممتد لآلاف السنين أن نجحنا في إجبار حاكم على التنازل عن حكمه وعلى زجه في السجن. صحيح أن لحظه انتصارنا هذه لم تدم طويلا، إلا أنها لحظة كاشفة ولا يجب أن نقلل من أهميتها أو نستهين بدلالتها.
أما السبب الثاني والأهم هو أننا فتحنا باب السياسة على مصراعيه. الدولة كانت –ومازالت – تود أن تقصر السياسة على السياسيين: المسئولين الحكوميين، وضباط الشرطة والجيش، والخبراء الاستراتيجيين، وغير المغضوب عليهم من المتعطشين للسلطة والجاه. أما السياسة الآن فأصبحت موضوع حديث الجميع واهتمامهم، ليس فقط الطلاب في جامعاتهم أو العمال في مصانعهم أو الشباب في مساجدهم. السياسة الآن موضوع حديث الناس في القهاوي، وفي وسائل المواصلات، وبين ربات البيوت، وحتى في غرف النوم. السياسة لم تعد حكرا على السياسيين، بل أصبح الشعب ممارسا لها ومتعطشا لها. صحيح أن الدولة تحاول أن تحث الشعب على التخلي عن هذا الاهتمام المفاجئ بالسياسة وأن يخلد للراحة وأن يفوض الأمر لأولي الأمر، إلا أنه من المستحيل أن يعود المارد إلى القمقم بعد أن خرج منه
0 comments:
Post a Comment
قول ولا تجرحـش