ستجد الكثيرين ممن طال عليهم الأمد في السعودية يقولون
لك بخبرة السنين
( السعودية هي أكتر بلد في الخليج ممكن تحوش فيها ) ...
قد يكونون صادقين....لكن الكثير منهم يرى أنه
ما بيحوشش ....
و إن اللي جاي
على قد اللي رايح.....
قد يكون محقا. ...
قد يكون بيحوش و مدكن. ....
قد بيحوش بس تحويشه مش على مستوى طموحه......
ستجد أن الكثيرون يتمنون أن تأتيهم فرصة في أي بقعة خارج السعودية.....
من منطلق اهه الواحد يعيش حياته و ينبسط طالما هو كده كده ما بيحوشش. ... ..
ستجد أن كل الناس حتى أكثرهم كرها لهذه البلد قد تأقلم على المنطقة التي يعيش فيها
فتجد بتوع الرياض لا يطيقون جده.....
و بتوع الدمام لا يستطيعون العيش خارج أجواء شط الخليج العربي المشبعة بالتلزيق و الرطوبة....
ستجد بتوع أبها قد اعتادوا نقص الأكسجين. .....
ستجد أن المشاعر تحولت من رفض و كره إلى اعتياد و عشرة و ألفه حتى مع كل التفاصيل التي تضايقهم و تنغص عليهم حياتهم. ....
لا تظن إنك هاتعمل الفلوس الفشيخة....
ليس فقط لأن كل حاجة هنا غلت برضه.....
و لكن لأن ما أصبحت تدخره لم يعد ذا أي قيمة تذكر
في ظل الغلاء الفاحش الجنوني اللي نهش كل حاجة
على أرض المحروسة......
بإختصار و من الآخر
هؤلاء الذين كانوا يأتون هنا في الثمانينيات و التسعينيات ليقضوا شوية سنين ثم يرجعوا أدراجهم بعدها محملين بمستقبل في مصر لم يعودوا موجودين لأن ما كان يكفي بالأمس لصنع حياة لم يعد يكفي عشر أمثاله لصنع شيء في مصر
في هذه الأيام ممحوقة البركة . ......
نعيش هنا حياة أحادية ذات بعد واحد....
أو بعدين اتنين بالكتير أوي. ....
بيت و شغل .....شغل و بيت....
لكن على الرغم من ذلك الملل و بعيدا عن سخافات و منغصات الحياة العادية ...
بإمكانك هنا أن تعيش حياة هادئة بسيطة مرتبة.....
تستطيع أن تتحكم في إيقاعها على الرغم من أنك غالبا ما تخضع فيها لظروف عملك.....
تظل الحياة هنا خالية من صخب و ضوضاء و فوضوية
و توتر و جنون الحياة في مصر.....
على الأقل تستطيع هنا أن تنال الحد الأدنى من مستوى معيشة محترم آدمي على مستوى الحياة اليومية و متطلباتها و اعبائها
الأكل و العلاج و حتى إنهاء متعلقات أو مشاوير أو معاملات
في أماكن حكومية أو و إنت قاعد في بيتك قدام التكييف......
تعيش مع زوجتك في إطار واسع مريح من الخصوصية بعيد عن أنوف يمكن أن تدس في حياتكما من هنا أو هناك......
لكن في الوقت نفسه تلقي عليك الغربة سياجا حديديا من العزلة و الإنفصال شبه الكامل عن محيط الأهل و الأصدقاء و الأقارب. ...
تجعلك بعيدا بجمسك و ذكرك عن دوائرك القريبة الضيقة
و الأوسع منها
و حتى عندما تكون في وسط هؤلاء في أوقات الإجازات تحس أن كثرة البعد قد جعلت وجودك وسطهم
عاديا باردا أجوفا خاليا من حرارة الحب و المعزة و الغلاوة ......
تشعر أنك غريبا....ضيفا...عابرا للسبيل
نعيش هنا حياة مؤقته.....
لدرجة تشعر معها أنها قد تكون مزيفه....مصطنعة
نسكن في بيوت جميلة فسيحة مؤثثة. ....
لكنها ليست بيوتنا.....
نركب عربيات موديل السنة....
لكنك تعلم أنك ستتركها خلفك بيعا أو استبدالا بأخرى. ....
حتى عملك تعيش فيه دوما في هاجس أنه سيتركك أو تتركه.....بيدك أو بيد غيرك......
رغم ذلك يظل التعلق في حبائل الغربة هو المسيطر على الموقف....
و بعدما كان السؤال من سنوات ( هانرجع امتى....؟؟؟ )
فإن السؤال قد أصبح الآن
( هانرجع ليه.....؟؟؟ )......
يظل الدرس الكبير الذي تعلمته من سنين الغربة
هو أن الغربة عقد لك فيه حقوق و عليك فيه واجبات....
لن تجد شيئا دون أن تدفع ثمنه.....
أو شيئا تنفقه دون أن تأخذ مقابلا له .....
مفيش حاجة هاتتعمل لك ببلاش.....
و بالتالي مفروض مفيش حاجة تعملها إنت ببلاش....
أنت في مصر قد تنال الكثير دون مقابل.....
راتب من وظيفة تعمل فيها يومين في الأسبوع. ....
منحة من بابا .....أو نفحة من ماما......
أو حتى تقدير أو تحمل أو مجاملة أو حب
حب غير مشروط أو مربوط بغرض أو مصلحة من جار أو زميل عمل
أو رفيق غربة
في مصر يمكنك حتى الحصول على
التموين كل شهر دون مقابل......
هنا أنت تدفع كي تنل.....
تدفع جهدك و أعصابك و عرقك و عمرك و إستقرارك
و صداقاتك و شبابك و واجباتك نحو والديك.....
القائمة طويلة. ......
تظل كذلك حتى لا تجد لك مكانا هنا
طالما لم تعد قادرا على دفع الثمن......
أو لم يعد لديك ما تقدمه.....لتنال له مقابل......