Sunday, May 11, 2014

بحـــ6ــب الكتب:تعليمات سيادتك

يختلف كتاب
«تعليمات سيادتك» 
الذي كتبه ضابط الشرطة السابق
 محمد حسني أبو العز
 عما سبقه من كتب

 واعترافات لضباط الشرطة

 مثل
 «يوميات ضابط في الارياف»
 لحمدي بطران
أو غيره من عدة أوجه
فهي ليست مجرد «شهادة»
 لضابط سابق عن الخلل في تكوين
 
«رجل»
 الشرطة يمكن الارتكاز عليها لنقول 
«وشهد شاهد من أهلها»
، ولكنها أبعد من ذلك
 إذ ينطلق أبو العز نفسه من خندق الثورة
 ويقدم من خلال كواليس عمله وخبرته
 في المجال وجهة نظر ثورية
 بمعنى تبني روح التغيير
 من خلال تشخيص الداء وطرحه
أمام الرأي العام من أجل الإصلاح
إذ يقول في حديثه لـ «الأهرام» لم أرد
 أن أفضح أشخاصا رغم أن هناك
 شخصيات بعينها آذتني بشكل شخصي
 لكن الانتقام ليس هدفي
بل كل ما أطمح إليه أن أوضح ما لا يراه الناس
 وإذا كان هناك من لديه رغبة
 في الاصلاح فهذا الكتاب سيساعده
 يستقيل الرائد أبو العز من جهاز الشرطة
في نوفمبر 2011 ويكون أول ما يقوم
 به هو الانضمام لصفوف الثوار
 في شارع محمد محمود
 ويعطي اسم معركة محمد محمود
 للشخصية الرئيسية في روايته ومنذ تلك الليلة
 يكون قد مات الشرطي
الذي يحمله بداخله إلى الأبد
كما تقول الشخصية
 وفضلا عن زاوية الكتابة الثورية
التي تسعى للتغيير فإن
«تعليمات سيادتك»
 يعكس حسا أدبيا وروحا ساخرة
 تضع الكاتب بسهولة في مصاف أهل الأدب
 وهو الذي نمت ميوله الأدبية منذ الصغر
 وحلم أن يكون يوما كاتبا كبيرا
 لكن أحلامه تحطمت
 أمام رغبات الأسرة التقليدية
التي وجهته نحو الدراسة العلمية
 ثم كان التقدم لكليات الشرطة
 في التسعينيات نتيجة طبيعية للجو العام وقتذاك
أما النوع الفني الذي ينتمي إليه الكتاب
 فيقع في منطقة وسيطة
 بين فن المقال وأدب الاعتراف وبين الرواية
حيث يختلف اسم البطل
(الرائد محمد محمود)
عن اسم الكاتب وهو
ما عهدناه في فن الرواية
 بينما تأتي تحليلات الكاتب
 وإدانته للمؤسسة ولنفسه في كثير من الأحوال
 لتقرب العمل من السيرة وأدب الاعتراف
 ورغم تمسك الكاتب بتأكيد صدق الوقائع
 التي يرويها واستلهامها من تجربته
على مدى اثنى عشر عاما في وزارة الداخلية
 فضلا عن سنوات الدراسة في كلية الشرطة
 إلا أنه يلجأ إلى القالب الفني في أولى أعماله
 بل ويلجأ رغم تحريه الدقة والصدق إلى التنويه الشهير
، في تصدير الكتاب الذي يؤكد من خلاله
 أن اجميع الشخصيات والمشاهد والوقائع الواردة
 في هذا العمل من وحي خيال المؤلف
 .. !!وأي تشابه بينها وبين الواقع هو محض صدفة

 أما لماذا استعان الكاتب بهذا التنويه
الذي يحمي المبدعون به أنفسهم من بطش الرقيب
، فذلك قد يرجع إلى ثلاثة احتمالات
: إما من باب السخرية
 التي تسيطر على الكتاب
- عبر تأكيده الخيال بينما
 نعلم تمام المعرفة أنه الضابط المتمرد
الذي قرر أن يعترف 
(الآن أتكلم) والذي
 استقال ولم يجد عملا منتظما حتى اليوم
 لأنه رفض أن ينتمي لجهاز الشرطة بشروطه الحالية
  أو الأ
حتمال الثاني وهو فني صرف
 يجعل الكاتب يمعن في ذبذبة القارئ
 بين الواقع والخيال
حتى يربكه ويجعله يتسائل
عن حقيقة ما يجري في أروقة الشرطة

 
وأخيرا
قد يكون ببساطة شديدة
 دليلا جديدا أننا

 لم نصل بعد لهذا المستوى
من الديمقراطية التي تعطي الحق
 لمن يستقيل من المؤسسة
 أن يتناولها بالنقد والتحليل
يؤكد أبوالعز أنه
 
«لم ينشغل بالتصنيف الأدبي لعمله
 اما كان يهمني في المقام الأول
هو وضع هذه الرؤية لخدمة من يريد الإصلاح
 وكان شاغلي أيضا

أن أوثق قصتي وتجربتي لأبني على وجه التحديد

فلا أدري ماذا سيدرسونه في المستقبل
 في مادة التاريخ
 كما كان هدفي أيضا أن

أتحرى الأمانة والموضوعية
 حتى
 
«نقل الصورة كما هي ويرى الناس حقيقة الأشياء».
لا يرجع الراوي أصل مشكلة رجل الشرطة
إلى مناهج التعليم كما يدعي البعض في الإعلام
ولكن إلى

اتباع التعليمات بشكل آلي

 (تعليمات سيادتك)
وترك القانون جانبا

والأمر الثاني هو

  
الكبر والسلوك المتعالي
 إذ يفسر أصل الداء قائلا «فليس الضابط الكفء هو ذلك الضابط
 الذي على دراية واسعة بالقانون
 وليس هو الضابط القادر
 على تطبيق القانون بحرفية وإخلاص
 بل إنه ذلك الضابط الملتزم بتنفيذ التعليمات
ولكنه رغم إمساكه بأصل الداء
لا يتبنى صوتا زاعقا أو لهجة متمردة
 تريد أن تطيح بكل شيء لكنه
على العكس يسعى
 إلى لالتزام الموضوعية وتتبع وتحليل الأحداث
 مثل أحداث الثورة من وجهة نظر أحد أفراد الداخلية
 مثلما فعل في فصل
 
«حدث في عيد الشرطة»
الذي يتناول فيه أصل العداء
 بين الثورة ورجال الشرطة
ويحاول أن يغوص في
 عالم الشرطي النفسي
 
وشعوره بالظلم وبالكراهية
الإعلامية والمجتمعية خاصة
 بعد محاكمات ضباط الأقسام
 ويلمس سببا آخر للعداء هو

التعصب للانتماء الوظيفي

 الذي يجعلهم يدافعون عن زملائهم بالحق وبالباطل
غير أن كل هذه الأسباب
تبدو واهية حين يكشف لنا الراوي
 بنفس رباطة الجأش عن أن

سر العداء يكمن في عدم اعترافهم بالثورة
 وهو ما حال دون نجاحهم في الضغط
 من أجل إصلاح الجهاز
«فكيف يسير في ركب الثورة من لا يعترف بها أصلا؟»
كما يأتي على لسان الرائد محمد محمود
 قد يكون
 
«الاعتراف»
 هو بداية الطريق
 وبداية الإصلاح
وهو ما جعل الكاتب
يرجئ مشاريعه الأدبية الأخرى
 ليبدأ بمراجعة الماضي وتحليله لإمكانية تجاوزه
 ألم يردد هو نفسه مع المتصوفة
 
من ذاق عرف .. ومن عرف .. ضل طريق الرجوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: تعليمات سيادتك.  

0 comments:

Post a Comment

قول ولا تجرحـش