Tuesday, February 19, 2013

كيف يمكن أن تري نفسك في المرآة؟

 
مازلت أذكر بعيون الدهشة كيف تلقينا
السؤال من أستاذ علم النفس الراحل
د. سعد جلال
وكان الزمن في شتاء1958
وكنا شبابا وفتيات نحرص
علي المظهر أشد الحرص
خوفا من أن تهتز صورة
أي منا أمام زميلاته أو زملائه
سألت الأستاذ هل ينصح علم
النفس
بأسلوب معين لنظر الواحد منا
لرؤية صورته في المرآة ؟
قال: سؤالك هو مدخل لمعرفة
كل منا لنفسه دون أن يمسك 
كرباجا معنويا يجلد به ذاته
 إن أخطأ أو فشل
ولا يمتطي الواحد منا حصان الزهو
إن أنجز عملا رآه فريدا ناجحا متميزا
ولا يحاول الإلحاح
طلبا للثناء ممن حوله 
بعد أن يؤدي لأي منهم مكرمة أو مساعدة
فيجب ألا نتوقف عند رؤية الظاهر أمامنا
علي سطح المرآة بل أن نري ما في داخل الأعماق
واستمر الأستاذ الكبير يشرح
ببساطة أدائه أن
أيا منا يملك ثلاثة صور عن نفسه
صورة واقعية يعرفها هو أكثر من غيره
وصورة يحب أن يظهر بها أمام الناس
وصورة ثالثة فعلية يراها به غيره

وفي رحلة أي منا اليومية نحاول
أن نشذب الصورة التي يراها الناس
ونحاول أيضا البحث عن طرق
لنحقق بها أحلامنا التي قد نعلنها أو لا نعلنها
وعادة ما يسوق لنا الآخرون صورتنا
التي يروننا بها عبر كلمات
الثناء أو الذم أو التجاهل
علي ضوء خريطة تقارب المصالح أو اختلافها

تمر السنوات لأسافر إلي باريس
وأزور شارع بيوت الأزياء وصناعة الموضة
لم تكن زيارتي للشارع من أجل الشراء
بل لأن حلقة نقاش نفسية كان انعقادها
بمبني قريب جدا من هذا الشارع
وكان أحد نجوم تلك المناقشة طبيبا نفسيا
كان يعالج نجمة الإغراء الأمريكية
مارلين مونرو وهو من قال
إنها تشرق فقط أمام الكاميرا بأبسط الملابس
 كي تظل صورتها رائعة في عيون المشاهدين
أما واقعها فهو تعس بشكل يدفعها
إلي الهرب من تلك التعاسة بأي طريقة
.
وأسرع الطرق هي إدمان المهدئات
وقبل أن أندهش من قول الطبيب النفسي
طالعتني سطور قرأتها عن الجنرال ديجول
هذا الذي قام بتحرير فرنسا
أثناء الحرب العالمية الثانية
وهو من قام بتطوير العلاقات العربية الفرنسية
بقبوله لاستقلال الجزائر عن فرنسا
فكانت صورته عند الجميع
هي صورة البطل منقذ فرنسا
أما هو واقعيا ومن أفواه المقربين منه
فقد كان يشكو من أن
طنط إيفون
وهو الأسم الأشهر لزوجته
في الصحافة الفرنسية
كانت الزوجة تلومه كأنه طفل
حين يقوم في الليل ليأكل 
من الطعام الدسم المحرم عليه صحيا
فيقدم لها الاعتذار ثم يصحو في الصباح
لينهر هذا الوزير أو يوجه اللوم
للحكومة الأمريكية التي كان يؤمن
أنها انتقلت من مرحلة البدائية إلي مرحلة الهمجية
دون أن تمر بمرحلة التحضر
كان هذا رأيه لأنها تطور من الأسلحة
ما يسبب فتكا بالبشر وتخوض الحروب
دون داع كخوضها لحرب فيتنام
ورغم ذلك تشترك في قيادة الكون
دون أن تمر بمرحلة الحضارة
وكان يحترف لومها وتحديها 
باتخاذ مواقف المعلم
الذي يلقن تلميذا ثريا
كيف يكون إنسانا متحضرا
لا جلفا سييء السلوك

وطبعا كانت ذاكرتي
تحمل كلمات أستاذ علم النفس
حين كان يؤكد لنا أن المجتمعات
كالأفراد تحتاج إلي أن تنظر
إلي صورتها الفعلية لتتعرف
علي ماتملكه من إمكانيات
كي تستطيع الوصول
إلي الصورة التي تحلم بها
فتدرس سماتها الفعلية
كي تستخرج منها قوة تشذب بها
سلبياتها وتضيف لنفسها إيجابيات واضحة
والآن يشغلني السؤال
هل تملك القوي الفاعلة
علي السطح السياسي
قدرة علي رؤية صورتها الفعلية
دون أن تنخدع فتتوهم ماليس لها؟
وقد حدث ذلك من قبل
حين صدقنا الوهم
بأننا أقوي قوة ضاربة
في الشرق الأوسط فوقعنا
في كارثة هائلة هي هزيمة1967
ومن بعد ذلك درسنا علميا وعمليا
قدراتنا الفعلية والعملية
واستخرجنا بالعمل الجاد
معجزة مازالت موجودة
في سجل المعجزات العسكرية
وهو انتصار أكتوبر1973
ولكن خطواتنا من بعد ذلك
اندفعت إلي متاهة
عرقلت تنفيذ حلم واضح
أعلنه الراحل الكريم محمود رياض
نائب رئيس وزراء مصر
ووزير خارجيتها وأمين
جامعة الدول العربية الأسبق
حين أعلن ضرورة التفاف العرب
حول هدف واحد ألا وهو ألا نستخرج
برميل بترول واحدا ونأخذ ثمنه
دولارات تودع بنوك الخارج
بل علي الأمة العربية
أن ترسم خطط تنمية كل منها
تخص دولة عربية بمفردها
لتتسق تلك الخطط في نسيج عربي
مشترك لا بهدف فرض إرادة شعب عربي
علي بقية الشعوب ولكن لترتقي الدول العربية
إلي ما استحققته بتلك الحرب
حيث تم ترتيبها كالقوة الاقتصادية
السياسية العسكرية السادسة
علي مستوي الكون
تري هل من حقنا أن نعيد لهذا الحلم
مكانته في الوجدان
بإعادة رصد سماتنا الفعلية
ومنابع قوتنا بدلا من التنافر الحادث ؟

أتذكر قولا للفريق أول
يوسف صبري أبو طالب
القائد العام الأسبق للقوات المسلحة
إن وصول واقع ما إلي ما نظنه حضيضا
هو بداية صالحة لإعادة زراعة الأمل
وبمزيد التواضع وبذل الجهد نستطيع
مضاعفة الإمكانيات
لنرتقي إلي مستوي تحقيق
ما يراه غيرنا مستحيلا
ومازلت أصدق أن صورتنا
أمام العالم لن يزيل الغبار عنها
هذا التطاحن السياسي الزاعق
و أن أصعب الأحلام يمكن
رسم الطريق للوصول إليه
دون غرق في فخر أجوف
بعد أول خطوة مرتبكة
في طريق بناء ديمقراطية سياسية
لأن الديمقراطيات السياسية لابد لها
من نسيج اجتماعي من عدالة
ترعي أضعف من فينا
وتحترم أقوي من عندنا
تري هل تملك القوي السياسية
علي الساحة قدرة علي النظر في المرآة
لنرصد طريقا واضحا إلي مستقبل
نخرج به من مستنقع الضجيج الزاعق
 المقالة كاملة

كيف ترى نفسك بقلم منير عامر

6 comments:

ليلى الصباحى.. lolocat said...

سؤالك هو مدخل لمعرفة
كل منا لنفسه دون أن يمسك كرباجا معنويا يجلد به ذاته إن أخطأ أو فشل
ولا يمتطي الواحد منا حصان الزهو
إن أنجز عملا رآه فريدا ناجحا متميزا
ولا يحاول الإلحاح طلبا للثناء ممن حوله بعد أن يؤدي لأي منهم مكرمة أو مساعدة
فيجب ألا نتوقف عند رؤية الظاهر أمامنا
علي سطح المرآة بل أن نري ما في داخل الأعماق


اعتقد ان عدد المرايا فى هذا الزمان نادرة فلم يعد هناك كثيرون يفضلون النظر فيها بل كل ماعليهم هو نقد غيرهم باسلوب لاذع ومن هنا تأتى كارثة اسمها الانانية ويسير المجتمع للخلف

فمن لايدرك عيوبه لا يرتقى ابدا

أحييك على مواضعيك الراقية اختى الحبيبة واختياراتك الرائعة

تحياتى بحجم السماء

Unknown said...

ليلى الصباحى.. lolocat
فعلاً استاذة ليلى
فلم يعد أحداً منا
يرى عيوبه
ولهذا
نسير الى الأسوء

Unknown said...

شرفتنا ونورتينا
استاذة ليلى

Unknown said...

الـــحمد لله
رب العالمين

مجلة الأم الصغيرة said...

أحييك على اختيارك للمواضيع حتى لو كانت منقولة و لكنني استمتعت بقراءتها

Unknown said...

مجلة الأم الصغيرة
شرفتيناونورتينا
وأشكرك على
تعليقك

Post a Comment

قول ولا تجرحـش