Monday, July 16, 2012

......كيف تشتري بيضا؟.....


بيضة واحدة فقط‏‏
تطش في الطاسة السوداء
ـ ذات النصف يد ـ
مع بقايا زيت مقدوح عدة مرات من قبل‏
‏ تخلط مع كثير من الدقيق المتاح
ليزيد حجم البيض وتصير كافية لإطعام فردين‏.‏
تقف العجوز لتعده لهما صباحا ولا تتذوقه
 عشرون عاما لا تتذوقه باعتباره طعاما مميزا
 فكانت تكتفي بالوقوف إلي
المنضدة الفرومايكا فسدقية اللون
 أطلقوا عليها( مائدة المطبخ) مع أنه
لم يكن هناك غيرها بالمنزل
 كانت تبدو في هيئتها الجيدة
كقطعة غريبة عن باقي الأثاث تقف بينهما
...,الفرخين الجائعين اللذين لم تشبعهما يوما
اللقيمات الجافة أو الجبن الأبيض
الذي لم يستبدل بطعام غيره
الا حين الميسرة حيث تتوافر بقايا الخبز الفينو
( أبو قرش صاغ الرغيف)
تحمص في الصينية علي عين البوتاجاز
ثم تدهن بالزبدة الصفراء المجمدة
ام خمسين قرش الكيلو من الجمعية
والتي أغرقت بها أمريكا
المجمعات الاستهلاكية كمعونة لمصر
عقب توقيع كامب ديفيد الا ان السادات
استكثرها كصدقة وقرر بيعها
فكانت العجوز تقف في الطابور
لتأتي بربع كيلو منها وتسابق خطاها المسير
نحو المنزل لتكشط بالسكين
رقات رقيقة تضعها علي
كسر الخبز الفينو بعد تحميصه في الصينية
ثم ترش عليه قليلا من السكر التمويني
وتقسم في طبقين نصيب كل واحدة منهن
وأمام كل طبق كوب من اللبن
والذي حرصت العمر كله ان توفره لهما
ولو أكملت الكوب بقطرات من دمها
كانت حين تقدم لهما هذه الوجبة
ترمقهما حتي تضع إحداهن
قضمة الفينو المحمصة
في فمها و(بق) اللبن وراءها تبتلعها
 تسألها وهي باسمة ابتسامة
من يأمل في الجزاء رضاء
من يحب: هه.. حلوة ؟
نعم يا أمي
بالهناء والشفاء
تقف إلي المنضدة الفرومايكا بجوارهما
تقطع قرص البيض بالشوكة والسكين
وكأنها تقطع شرائح ديك رومي
تضع الطعام بالشوكة في فم إحداهن
وتنفخ فيه من روحها ليبرد
حيث العجينة مشبعة بالسخونة وتتمنى
 مع نفخة روحها أن تكبر
الفتاة سريعا لتطمئن عليها
لم يكن شراء البيض يوما عملا يسيرا
فمعاش الأحد عشر جنيها وأربعون قرشا
لن يمكنهم من شراء بيض نظيف مثل معظم الناس
 فكانت العجوز تمر ببائع البيض تتفقد
ما عنده من( الكسر) تشتريه بربع ثمنه
وأحيانا لو توافر معها فائض من القروش
كانت تشتري الكرتونة كلها
كانت الفتاة تعتقد أن
هذا هو الوجه الطبيعي للحياة
وأن الظلم الاجتماعي الذي يلحق بهن
يجعل من الجهر بالفقر شيئا عاديا
لذا فحين أصبح لزاما عليها
ان تذهب لشراء البيض
 كانت تذهب صارمة
حازمة بلون ردائها الأزرق
أو الرمادي او البني
من لون روحها المكتئبة ابدا
تقلب في البيض الموضوع في الكرتونة
المخصصة للبيض الكسر
تقرب البيضة من انفها تشمها
فإذا قررت ان تأخذها تسأل
عن سعرها,4 قروش للكسر أليس كثيرا؟
لأ ليس كثيرا ده البيض السليم بـــ6.5 قروش
تضع البيض الذي تنتقيه
في سلة أو شبه سلة بلاستيكية
باهتة اللون رائحتها العفنة تملأ المكان
من كثرة إلتصاق زلال البيض
بها مرات ومرات دون تنظيف
غالبا ماكان يضع لها ماتشتريه
في كرتونة بيض قديمة ويغطيها
بورقة جريدة صغيرة لا تلبث
ان تطير بمجرد ان تشرع
في العودة مرة اخري للمنزل
أما استخراج البيض من الكرتونة
فتلك معركة جديدة حيث الماء الأبيض
قد خرج من شقوق البيضة الي الكرتونة
وأصبح كالغراء اللاصق لقشرة البيضة
فإذا أرادت العجوز أو الفتاة استخراج واحدة
فعليهن أولا: تخليص قشر البيضة
من الكرتونة مع المحاولة المستميتة
للاستفادة من كل نقطة من زلال البيضة
عن طريق مسحها بأصبع يدها اليمني
في الطاسة ثم تأتي بمعلقة صغيرة
تغرف بها باقي السائل المراق في الكرتونة
كانت الفتاة كثيرا ماتشعر بالقرف من تناوله
 لكنها لاتلبث ان تبتلع المرار
في جوفها فما عرفت وقتها من
زاد يملأ جوفها غيره
الكافيار أو ـ بيض السمك
هو وجبتها المفضلة,
له فوائد لاتحصي بالإضافة
الي طعمه الذي تستسيغه ولا تمله أبدا
ولكن ما الرابط بين بيض السمك
وبيض الفراخ الكسر الذي كانت
تأكل منه حين التفكه في الطعام؟
لعلها انحناءة العجوز الرائعة
الي جوارهما علي رخامة المطبخ
حين تدعوهما لتناوله بكلمات بسيطة مثل
 !!
البيض مفيد جدا كله كالسيوم
وأي فائدة في بيضة مفتوحة
منذ أيام عند بائع البيض
وقد تكون ممششة فاسدة
وهي تائهة كذلك في كمية
تلا بأس بها من الدقيق قد طهيت
 في زيت سبق قدحه ألف مرة من قبل
كانت فقط تحلي بضاعتها الفقيرة
التي لم تكن تمتلك غيرها تقدمه لهما
في الدرجة الأولي في الطائرة المتجهة الي باريس
الطبق الأول دائما ـ الأورديفر هو الكافيار
 علي الرغم من إعجابها الشديد بهذا الطبق
إلا ان الملل قد اصابها من كثرة تناوله
نظرت اليه وجالت بخاطرها
في الذي لم تستطع نسيانه ابدا
كان بحلقها ريق بطعم بيض آخر
غير الذي تتناوله الآن
وبعد قليل.. وحين جاءت المضيفة
وانحنت أمامها انحناءة مألوفة لها
ترفع طبق الكافيار الذي لم تقربه
نظرت في داخل عينيها وابتسمت
واخترقت عينيها حتي قلبها
انها ابدا لم تكن المضيفة
آلام قلبها لم تبارحها أبدا..
فلا تزال وهي في مقعد الـــ
-VIP
ـ
علي طائرة الإيرفرانس المتجهة
الي باريس لحضور مؤتمر النهوض
باقتصاديات العالم الثالث
تبكي انحناءة ظهر العجوز
ومرض نفسها العليلة
خوف ووسواس قهري واكتئاب
لا يذهب أبكي عنها خوفها من كل شيء
 فأنا ايضا خائفة من كل شيء
قـصة بقلم

شيرين المنيري