Monday, June 6, 2011

بحــب الكـــتب ـــــــــــ2ــــــــــ



أكبر عملية بيع في القرن العشرين
سباق روسيا الشرس من الشيوعية إلي الرأسمالية

عرض: مصطفـــي ســـامـــي
تاليف كريستيا فريلاند

متابعتي للتحقيقات
مع عدد من رجال الأعمال
وكبار المسئولين السابقين‏
‏ خلال حكم الرئيس حسني مبارك‏
‏ وصدمة الفساد الهائل
المالي والسياسي الذي كشفته هذه
التحقيقات بعد ثورة‏25 يناير‏.‏

أعادتني الي كتاب الصحفية الكندية
كريستا فريلاند
مديرة مكتب صحيفة الفينانشيال تايمز البريطانية في موسكو
, خلال تسعينيات القرن الماضي.
قرأت الكتاب في مونتريال فور صدوره
بعد أن تابعت حوارا في التليفزيون الكندي
بين المؤلفة وعدد من السياسيين
والمثقفين والصحفيين المهتمين ـ
في ذلك الوقت بالثورات والتغييرات
التي حدثت في روسيا وأوروبا الشرقية
لقد تحررت هذه الدول من الشيوعية
لكنها سقطت في شراك الرأسمالية العشوائية الجشعة
باعوا في روسيا كل مؤسسات وشركات الدولة
الإنتاجية للقطاع الخاص الروسي والأجنبي
ولم يراع رجال الأعمال هناك حرمة ومصلحة الوطن,
فتغلبت مصالحهم الشخصية وأرباحهم
علي حقوق الوطن والشعب,
وتحت عنوان التحرر من الشيوعية والانفتاح علي الغرب
باعوا وتاجروا في كل شيء
حتي لبن الأطفال خصخصوه
وفي عملية الهرولة والجري للإصلاح الاقتصادي
وقعت أخطاء فادحة من الإصلاحيين
ومن حكومة بوريس يلتسن التي ساندت رجال الأعمال
, لكن وزراء مصر ورجال الأعمال
في عهد الرئيس السابق حسني مبارك -
كما كشفت تحقيقات النيابة -
تفوقوا علي رفاقهم الروس
في الفساد السياسي والاقتصادي
لأنهم باعوا ثروات الوطن للأصدقاء والأعداء.
قلد المصريون الروس برغم المسافات الطويلة
التي تفصل موسكو عن القاهرة,
وأكدوا من جديد أن المال الحرام
لا يعرف حدودا أو مسافات أو أخلاقا.
عندما عدت الي قراءة
كتاب كريستيا فريلاند للمرة الثانية
بعد سبع سنوات تأكد لي أيضا أن أشرار
مزرعة طرة تفوقوا علي عصابات المافيا في موسكو,
فالروس باعوا ثرواتهم وضمائرهم,
بينما لم يكتف المصريون ببيع ثروات الوطن
, لكنهم باعوا أرض مصر وحقوق شعبها.
السمات المشتركة أيضا بين السياسيين في روسيا وحكام مصر
, كانت واضحة في فساد الذمم وسوء الإدارة والحكم البوليسي
لقهر الشعبين في البلدين بأحط الوسائل,
الكتاب في النهاية يتفق مع كل أدبيات السياسة
في أن الحكم الديكتاتوري وغياب الديمقراطية
لايمكن أن يحققا تنمية صناعية أو نهضة ثقافية
أو الحد الأدني من مطالب الشعوب,
وقد كان الفساد المالي والسياسي
السبب الرئيسي لقيام الثورات في روسيا وشرق أوروبا ومصر
.أتاح عمل مؤلفة الكتاب في موسكو,
وتغطيتها أحداث الثورة علي الشيوعية التعرف
علي الطبيعة علي آثار التحولات السياسية والاقتصادية
علي الأسرة والمجتمع الروسي بصفة عامة, بعد انهيار الاتحاد السوفيتي,
كشفت الكاتبة السلبيات والأمراض التي أصابت المجتمع
, فقد أسفر الإصلاح الاقتصادي أو الانفتاح
عن بطالة ملايين العمال وتردي جميع الخدمات التي اعتاد
أن يحصل عليها المواطن الروسي مجانا خلال الحكم الشيوعي,
أضرب الأطباء والمدرسون والمزارعون وجنود الجيش والشرطة
بعد أن توقف صرف مرتباتهم ستة أشهر,
وفي أقل من خمس سنوات تضاعفت أعداد الفقراء,
مما دفع الأمهات لبيع أطفالهن,
وفي العشر سنوات الأخيرة من القرن الماضي
, كانت موسكو قبلة سيدات العالم
ممن لم يقدر لهن الإنجاب,
لتبني طفل أو أكثر, وأصبحت روسيا المفلسة
والقوة العظمي السابقة
في مقدمة دول العالم الطاردة لأبنائها.
انعكست هذه الأوضاع الأليمة
علي المواطن الروسي
الذي أصبح يخشي الخروج من منزله في المساء
, فقد تضاعفت معدلات الجريمة بصورة تثير الفزع,
وأصبح من المشاهد المعتادة في شوارع المدن الروسية
, تمدد عشرات الرجال والنساء السكاري علي الأرصفة فاقدي الوعي
هربا من واقعهم وحياتهم التي دمرها الإصلاح الاقتصادي
الذي قاده بوريس يلتسن.
الشقيق الروسى للكاتبة
تروي الكاتبة في البداية قصة استقبالها
في محطة قطار موسكو لشقيقها الروسي بالتبني لأول مرة,
القادم من مدينته كازان التي
تبعد054 ك.م شرقا عن موسكو,
وصل الصبي أديك بصحبة متعهد بيع الأطفال
الذي أقدم عليها يمسك في يده أيضا
طفلة عمرها خمس سنوات وطفلا آخر عمره3 سنوات
ليسلمهما الي أسرتين أمريكيتين,
بالإضافة الي أديك الذي كان والد كريستيا
قد اتفق علي شرائه لزوجته الثانية التي لم تنجب أطفالا منه
, وكانت شقيقة الزوجة الكندية
قد سبق واشترت شقيقتي أديك وعمرهما عامان و5 أعوام,
وعندما علم الأب بأن الطفلتين لهما أخ
قرر تبنيه هو الآخر واتصل بالمتعهد الذي يحصل علي الأطفال
من ملجأ الأيتام مقابل نسبة معينة,
أما والدة أديك فعاطلة عن العمل ومدمنة خمر
أنجبت أطفالها الثلاثة من ثلاث رجال مختلفين
, وتركتهم يتسولون طعامهم في الشارع,
وكان شقيقهما(10سنوات) يعمل طوال اليوم
في أحد مصانع بير السلم الصغيرة المنتشرة
في موسكو ويشتري بيوميته طعاما لشقيقتيه الصغيرتين
, تعرفت إحدي الباحثات الاجتماعيات بالمصادفة
علي أديك ونقلته مع اختيه الي أحد ملاجيء الأيتام
بعد أن اتصلت بوالدته التي رفضت رعاية أطفالها
بحجة أنها لا تعمل وليس لديها مالا لإطعامهم!
وعندما علمت الأم بعد ذلك بأن هناك
عروضا لتبني أطفالها الثلاث مقابل
نسبة من ثمنهم تحصل عليها, رحبت الأم بالصفقة
التي تضمن لها شراء مزيد من الفودكا لعدة سنوات!
لكن والدة أديك لم تكن استثناء
من آلاف الأمهات الروسيات في ذلك الوقت
فأكثر من أربعين ألف طفل روسي
تتراوح أعمارهم بين شهر و21 عاما
جري بيعهم لعائلات أمريكية وكندية وأوروبية,
في العقد الأخير من القرن العشرين
بعد أن استقبلت كريستيا شقيقها الجديد اديك
في محطة القطار لاحظت أنه لا يحمل حقيبة ملابس
ولم يكن معه سوي كيس نايلون صغير
به بضع قطع من الخبز المجفف وزجاجة مياه معدنية
, وتصورت كريستيا أن الصبي الذي لم يتجاوز عشر سنوات
سوف يشعر بالخوف والرهبة بسبب تجربة انتقاله
الي دولة أخري والحياة مع أسرة غريبة
في مدينة بيس ريفر بولاية ألبرتا الكندية,
لكن الصبي كان مستسلما للتجربة الجديدة...
لم يكن سعيدا ولا حزينا, فالحياة الجديدة
اذا لم تكن أفضل, فهي لن تكون أسوأ
من العمل الشاق عشر ساعات في اليوم,
كما أن شقيقتيه الصغيرتين كانتا قد سبقتاه
قبل أسابيع الي كندا لتتبناهما شقيقة أم أديك
تقول كريستيا إن شقيقها الصغير
كان يحمل في جيبه قائمة بها نحو عشرة
أسماء لصبية من أصدقائه في نفس عمره مع عناوينهم,
وقد طلبوا منه عندما يصل الي كندا
أن يساعدهم أو ينقذهم بالبحث عن عائلات
ترغب في تبني أطفال, وقد وعدته كريستيا بأنها
سوف تحاول أن تتصل ببعض أصدقائها
بعد وصولهم الي ألبرتا لكن السيدات
في العادة يفضلن تبني الصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم
الخمس سنوات.

شهد أغسطس عام1991 مولد دولة جديدة
لديها الشجاعة لمحاربة حكم الفرد,
دولة تتحدي فيها المظاهرات السلمية,
الدبابات والسيارات المصفحة,
وتسعي الي الحرية والرخاء
الذي يري الروس أنه لم يتحقق لهم,
ولكن لتحقيق هذا الأمل أخطأ الروس طريقهم,
وفقدوا خريطتهم, فبدلا من المعاناة والقهر
علي مدي سبعين عاما من ديكتاتورية
الطبقة العاملة في النظام الشيوعي,
انزلقت ثورة الاصلاح الي ديكتاتورية
أقلية من الرأسماليين,
وبدلا من المشاهد العادية لسيارات الجيب والعربات المصفحة
, امتلأت الشوارع في المدن الروسية
بسيارات المرسيدس بها أرقام وعلامات مختلفة
تعطي أصحابها امتيازات لتجاوز كل قواعد المرور
وقوانين السرعة في الطرق السريعة
ويحمل أصحابها بطاقات تسمح لهم بالاعتداء
علي كل القوانين, بينما انعقد الامل
علي الرئيس المنتخب بوريس يلتسن
لانقاذ البلاد وتحريرها,
إلا أن ظهور الطبقة الجديدة
من رجال الأعمال الرأسماليين
والجنرالات السابقين ورؤساء الشركات والمصانع
تحت الحكم الشيوعي, الذين تحولوا بسرعة
من أقصي اليسار الي أقصي اليمين ليفوزوا
بأكبر قدر من كعكة الرأسمالية الجديدة,
أصاب الشعب الروسي بالصدمة والاحباط,
وكادت روسيا تعلن إفلاسها في سنوات يلتسن الأخيرة.
العلاج بالصدمة
اعتمد الرئيس علي تشجيع واشنطن
وروشتات صندوق النقد في عمليات التغيير
والتحول الي النظام الرأسمالي,
ووضع اقتصاد البلاد في أيدي مجموعة
من الشباب المغامرين الذين يصفون أنفسهم بـالإصلاحيين
, لقد تصوروا أن طريقة العلاج بالصدمة
هي الأفضل للنهوض باقتصاد البلاد المتهالك,
وكانت هذه الصدمة تتلخص في برنامج
طموح للخصخصة لم تشهد دول العالم مثله
, لم يخش الإصلاحيون من أن برنامجهم المتطرف
يمكن أن يؤدي الي المجاعة أو الي حرب أهلية,
لأن يلتسن كان يساندهم ضد
كل من ارتفع صوته من أبناء الشعب بالمعارضة لهذه الثورة
التي قلبت أدوات الإنتاج والتجارة والتوزيع رأسا علي عقب
, لقد تصوروا أنهم يسيرون في الطريق الصحيح
وأن واجبهم يقتضي مواصلة السير بأقصي سرعة
دون اعتبار لمخاطر الصدام مع الشعب, وفي موسكو
بينما كانت الاعتصامات والاحتجاجات لعمال المصانع
وموظفي الدولة تملأ الشوارع وتوقف حركة المرور
بسبب تأخر صرف مرتباتهم عدة شهور,
كان تجار المرسيدس في شرق العاصمة
يعملون16 ساعة يوميا باجتهاد
لتلبية طلبات رجال الأعمال!
تحولت وعود يلتسن بالرخاء والعدالة الاجتماعية
الي سراب والي كارثة, فبدلا من انتعاش
السوق والحكم الديمقراطي, تمني الروس في عام 1989
أن يعودوا سبع سنوات الي الوراء,
بعد أن اكتشفوا أن رأسماليتهم عرجاء فاسدة
, فالمجموعة التي أصبحت معروفة
بـشباب الإصلاحيين كانوا شيوعيين بالميلاد
وسياسيين محافظين بالمصلحة والميل,
وكان أفضل مكان للتعرف علي سلوكيات
هؤلاء الأثرياء الجدد في مطعم سبيرياني فيرك
الذي يقع علي بعد خطوات من مسرح البلشوي
.رواد المطعم هم الأثرياء الجدد الذين يستمتعون
مع زوجاتهم وصديقاتهم بأشهي أطباق الكافيار
في جو دافيء يعيد الحاضرين
الي عصر قياصرة القرن الثامن عشر
, وعندما تمر بائعة الزهور, يتباري الرجال
لشراء الوردة الواحدة بمائة وعشرة دولارات
ليقدمونها لنسائهم! لكن لتكتمل
الصورة الحقيقية لمجتمع عصر الانفتاح
نجد علي الجانب الآخر من رصيف الشارع
عشرات الرجال والنساء المخمورين,
يرقدون بلا وعي, وكأنهم هاربون من قدرهم
عبر زجاجات الفودكا الرخيصة
الصنــــــــــــــــ80%ـــــــــــاعة مع القطاع الخاص
أصبحت روسيا أرض الرأسمالية الجديدة
التي يسعي إليها المستثمرون من الداخل والخارج
لتحقيق الثراء السريع,
وفي عام1996 كان80% من الصناعة
في روسيا قد انتقلت الي أيدي القطاع الخاص,
وهي نسبة أعلي كثيرا مما حدث
في أي دولة في غرب أوروبا,
وفي عام1994كان
عدد أصحاب الأسهم أربعين مليون روسي
بما يتجاوز نصف عدد مالكي الأسهم
في سوق المال الأمريكية.
تحكي المؤلفة كيف أصبح زوج صديقتها
ستيفا مليونيرا في يناير1992بأن
حقق في أول شهر لثورة سوق المال
في روسيا مكسبا قدره مليونا دولار في72 ساعة,
لقد ألقت روسيا نفسها في الرأسمالية
دون أن يكون لديها المؤسسات
التي تساعد النظام الرأسمالي علي العمل
, مثل البنوك, ونظم الدفع التي هي أهم أدوات السوق,
لقد كانت روسيا في تلك الأيام مجرد دولة
ليست مؤهلة علي الاطلاق للتحول السريع للرأسمالية,
ولذلك كان أي شخص علي مستوي
متواضع من الذكاء يستطيع أن يحقق ثروة سريعة
اذا كانت لديه العلاقات والاتصالات ويفهم مباديء التجارة
.
تعرض الكاتبة عددا من الأمثلة عن رجال أعمال
ومسئولين سابقين حققوا ثروات هائلة
في ضربات حظ وعمليات تلاعب في سوق المال
, وتحولوا بارونات عصر الانفتاح الجديد,
بشرط مباركة من النظام الجديد لهم,
وفهمهم لمطالب ومقتضيات التعامل معه!
لكن لغياب المؤسسات وانعدام أدوات المحاسبة
وزواج السلطة بالمال,
كان من الممكن للأثرياء الجدد
أن يتحولوا أيضا بنفس السرعة الي مفلسين
يفقدون كل ثرواتهم, ومع نهاية عام1999 انكمش
الاقتصاد الروسي الي نصف حجمه
الذي كان عليه منذ عشر سنوات,
عندما كان الاتحاد السوفيتي القوة العظمي
التي تعمل لها الولايات المتحدة ألف حساب,
فإنتاجها في هذا العام كان يقل عن انتاج
دولة صغيرة مثل بلجيكا, و25% من إنتاج بولندا!
والبنية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية التي
تعتمد عليها حكومات الاتحاد السوفيتي انهارت تماما
, لقد أغلقت المدارس والمستشفيات
ـ في ذلك الوقت ـ
بسبب اضرابات واعتصامات المدرسين والأطباء
الذين لم يتقاضوا مرتباتهم منذ شهور,
والمياه والكهرباء كانت تنقطع عدة مرات كل يوم,
والمؤسسات الثقافية والترفيهية مثل المسارح
وملاهي الأطفال التي اعتاد الروس زيارتها
ـ مجانا ـ
خلال الحكم الشيوعي لم تعد تعمل,
وفي عام1994 انخفض
متوسط عمر المواطن الروسي الي58 عاما
بما يقل عن أي دولة في شمال الصحراء,
انتقلت روسيا من موقع المشاركة
مع أمريكا في قيادة العالم الي دولة في العالم الثالث!
وتسبب الانفتاح غير المحسوب
والتحول الاقتصادي السريع الي الرأسمالية
في تفاوت فاجر بين الطبقة الجديدة
من الأثرياء وبين المعدومين,
ففي عام1999 ـ بعد ثماني سنوات
من الثورة علي الشيوعية ـ
كان10% من الروس يملكون نصف ثروة البلاد
, بينما يملك40% ممن يعدون من متوسطي الدخل
أقل من خمس الثروة,
وبين30 الى 40 مليون روسي
سقطوا تحت خط الفقر
يقدر دخلهم بأقل من ثلاثين دولارا في الشهر,
لقد حقق النخبة من الرأسماليين
الجدد ثراء فاحشا ضاربين كل الأرقام
القياسية العالمية في سرعة بلوغ القمة
ـ قمة الثراء!
لكن المأساة
أن ثراءهم جاء علي حساب رخاء البلاد,
فهم لم ينهضوا في المقابل باقتصاد بلادهم
, فثرواتهم لم تكن تعتمد علي
استخدامات التكنولوجيا الحديثة
في النهوض بالصناعة والأساليب الحديثة
في الخدمات ووسائل الإنتاج في المصانع,
لكنها اعتمدت علي اقتناص القطع المتناثرة
من بقايا الاتحاد السوفيتي الذي انهار:
حقول البترول المملوكة للدولة ومناجم
النيكل وقنوات التليفزيون وحتي البنوك الحكومية
, وحتي يؤمن رجال الأعمال أو الرأسماليون
الجدد ثرواتهم التي اختطفوها دون أدني
اعتبار لمصالح واقتصاد الوطن,
أسرعوا بتهريب أموالهم الي بنوك أوروبا وشمال أمريكا,
وقدر خبراء الاقتصاد العالميون
أنه بين أعوام1991 و1999 تم
تهريب ما بين100 و150 بليون دولار خارج روسيا
,, ويبدو أن هناك اتفاقا غير مكتوب أو كودا سريا
يربط بين سلوكيات وأنشطة
رجال الأعمال الخونة حول العالم!!
لقد ابتكرت روسيا نوعا من اقتصاد السوق المشوه
في خلال عشر سنوات من الكساد,
وطبقة تحت خط الفقر يزداد حرمانها
من أبسط حقوق الحياة,
ونخبة من الطفيليين,
تقول كريستيا فريلاند إن أحد المثقفين الروس
من أصدقائها لخص لها الوضع في بلاده قائلا:
لقد تصورنا أن كل ما قاله لنا كارل ماركس
كان زائفا, لكن الأمر تغير
فكل ما قاله حول الرأسمالية كان صحيحا.
لقد كانت روسيا تأمل في مستقبل أفضل
عندما ساند الشعب يلتسن عام1991,
لم يصوت الروس ـ في ذلك الوقت ـ لصالح
عدد من الإجراءات الاقتصادية,
بقدر ما صوتوا لفكرة اقتصادية
واضحة تحقق لهم طموحاتهم في حياة أفضل,
باختصار أراد الروس دولة طبيعية.

كان جزء من مشكلة روسيا, نقطة البداية,
فلم تكن عدة أيام من الشجاعة
في شهر أغسطس1991 كافية
لإلغاء ميراث سبعين عاما من الشيوعية
وقرونا من حكم الفرد قبل ذلك,
كان غياب مؤسسات المجتمع المدني
هي أهم أسباب هذا التراث المسمم,
وحتي تحت حكم القياصرة,
كانت هذه المؤسسات غاية في التخلف,
وجري تدميرها بالكامل تحت حكم البلاشفة,
فقد حظر قيام الأحزاب,
وفرضت رقابة صارمة علي الصحافة,
والأديان, والمعتقدات انتهكت,
وتحولت اتحادات العمال
الي أدوات لخدمة الحزب الشيوعي,
وحتي الأسرة التي هي أساس وحدة أي مجتمع
تم تخريبها, بعد أن شجع الأبناء علي الإبلاغ عن والديهم,
ودفع الزوجات لخيانة أزواجهن,
والنتيجة كانت دولة بلا مجتمع,
وطن يخاف كل مواطن فيه من الآخر,
في هذا المناخ الملوث عاش الروس في دولة بلا قلب
, لكن المأساة أن التغيير لم يكن الي الأفضل,
وحتي بعد يلتسن ووصول بوتين
ـ أحد أبناء المخابرات السوفيتية ـ
لايزال الكرملين يحكم بنفس الأساليب المعادية للشعب
, تحقق قدر كبير من الرخاء بفضل
إعادة سيطرة الدولة علي ثروات البلاد
وأهمها الغاز الطبيعي والبترول,
لكن الديمقراطية والحرية التي طالب
بها الشعب في عام1991 لم تتحقق,
ولم تسهم الرأسمالية سوي في
ولادة جماعة الرأسماليين الطفيليين الجشعين
, بلا أية تقاليد في التجارة أو الانتماء للوطن
, وبينما سمح بقيام أحزاب سياسية,
إلا أن حزب روسيا الموحدة
الذي أسسه فلاديمير بوتين أصبح
ـ مثل الحزب الوطني عندنا ـ
يكتسح كل انتخابات,
ويتحدث بوتين دائما
ـ مثلما كان مبارك يتحدث ـ
عن الحرية والديمقراطية,
إلا أن الواقع الروسي يقول عكس ذلك تماما,
فأي نقد لنظام الحكم
يعرض صاحبه للسجن والتصفية في أحيان كثيرة
, ففي السنوات العشر الماضية
قتل15صحفيا ممن انتقدوا أساليب القمع الروسي
في الشيشان وأقاليم شمال القوقاز المسلمة,
وتعرض كثيرون للاعتداءات وهم في طريقهم
من أعمالهم الي منازلهم...
حدثت نفس هذه الاعتداءات
أيضا عندنا خلال حكم حسني مبارك
مع المرحوم مصطفي شردي, والمرحوم جمال بدوي
وعبدالحليم قنديل, واختفي الصحفي
بالأهرام رضا هلال منذ خمس سنوات بلا أي أثر,
وفي أوكرانيا ـ
ثار الشعب غاضبا منذ أربعة سنوات
عندما استولي رجال الأعمال علي البرلمان
عقب انتخابات مزورة!!

دفع الروس ثمنا غاليا
لهذا التحول الي الرأسمالية
غير المخطط وغير المحسوب,
فقد أقاموا نوعا هشا من اقتصاد السوق,
وقد التقت مؤلفة الكتاب
خلال رحلة قامت بها عام1993 لمدينة يكاتيربيرج
عاصمة إقليم يورالز الذي
كان قلب الصناعة السوفيتية وبيت عائلة يلتسن
, بمهندس كان يعمل في المصانع الحربية
عمره36 سنة وتحول الي
مستورد لأجهزة الكمبيوتر والآلات الحاسبة,
وصفته بأنه ذكي ورجل أعمال نشيط
ممن تحتاجهم روسيا الجديدة في النهوض باقتصادها.
.. تجارته رائجة وأرباحه عالية,
قال لها رجل الأعمال واسمه فلاديمير, وهو متشائم
, إنني أحلم بأن أرسل أبنائي للولايات المتحدة ليتعلموا هناك
, وعندما سألته لماذا؟
كان رده بعد أن فتح درج
مكتبه وأخرج مسدسا:
نحن بهذا السلاح نجبرهم بالقوة علي توقيع العقود
, وأضاف: لا أعتقد أن ذلك هو الأسلوب الأمثل للاستثمار
والتجارة والحياة الآمنة.

لقد خلفت روسيا اقتصادا يعتمد
علي الخصخصة لكنه غير منتج,
اتخذت روسيا الطريق الخاطيء
دون أن تتنبه بفضل نصائح الصندوق
والجري وراء النموذج الأمريكي,
الي أخطاء هذا الطريق ومطباته,
وانتشر الفساد كالسرطان في أجهزة الحكومة,
وداس رجال الأعمال علي القوانين بالرشوة والبلطجة,
لكن روسيا الجديدة لم تكن في الواقع وحدها,
ولم تنحرف الي طريق الغواية بمفردها,
فقد واجهت دول كثيرة
ـ من بينها مصر في العصر اللامبارك ـ
نفس الأخطاء والانحرافات والفساد
.


******
العرض طويل شوووووية
لكنه يستحق القراءة

0 comments: