Monday, November 9, 2015

...الغول...





يعتبر فيلم (الغول ـ 1982) للمخرج سمير سيف ، أول دور بطولة جاد يقدمه الفنان عادل إمام ، حيث كان إسمه ـ قبل هذا الفيلم ـ بمثابة الماركة المسجلة للفيلم الكوميدي . لذلك كان هذا الفيلم مفاجأة للجمهور بكل مستوياته .. فاجأهم عادل إمام بفيلم جاد وحزين ايضاً يناقش قضية اجتماعية سياسية ، ويتحدث عن مجتمع الانفتاح وسلبياته .
حكاية الفيلم سبق وان قدمت في الاذاعة تحت اسم (قانون ساكسونيا) بطولة نور الشريف وبوسي ، وكان من المقرر ان يلعبا بطولة الفيلم ايضاً ، إلا ان اختيار المنتج في الاخير جاء لصالح عادل إمام ونيللي . وبسبب إنشغال عادل إمام توقف تصوير الفيلم أكثر من مرة . وعند الانتهاء من تجهيزه وطبع النسخة الاولى منه عرض في مبنى الرقابة لاجازته والسماح بعرضه جماهيرياً ، لكن عقب إنتهاء العرض الخاص جاء في تقرير الرقباء مايلي :
... رأت اللجنة ان هذا الفيلم يعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم في البلاد ومعاداة لنظام الحكم ومؤسساته القضائية ، وإتهام بعض أجهزة الدولة بالتواطؤ مع الرأسمالية ضد مصالح الشعب ، ويشجع بل يدعو الى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الاموال . كما تؤكد اللجنة ان هذه المعاني من شأنها التأثير بطريقة سيئة على عقول الشباب وتزعزع ثقتها في القضاء وغيره من أجهزة الدولة . كما تضمن المصنف بعض المشاهد والاحداث التي تبدو وكأنها نوع من المتاجرة ببعض الاحداث المحلية المتعاقبة والجارية على النحو الذي يصبغه بطابع سياسي على جانب كبير من الخطورة ... .
وبناء على هذا التقرير الرقابي منع عرض الفيلم داخل مصر وخارجها . وعندما عرض في قاعة النيل عرضاً خاصاً حضره أكثر من خمسمائة شخص من الكتاب والنقاد والسينمائيين ، كان رأي الجميع ان الرقابة قد إفترضت إسقاطات بعيدة كل البعد عما جاء في الفيلم .
وأثيرت هذه القضية الفنية في الصحافة وهوجمت لجنة الرقابة من قبل النقاد والسينمائيين حتى إستدعت القضية ان يكون الحكم فيها بيد وزير الثقافة شخصياً ، الذي أصدر قراراً فيما بعد بعدم منع الفيلم وصرح بعرضه جماهيرياً .
إن (الغول) فيلم بتعرض لبعض جوانب الفساد الاقتصادي والاجتماعي وسيطرة المادة التي يمكن بواسطتها شراء كل شيء ، إلا عندما يسبيقظ الضمير الانساني رافضاً هذه المساومة .
وتدور أحداث الفيلم حول قضية قتل متعمد لأحد الموسيقيين وإصابة راقصة بحادث سيارة ، والفاعل هو ابن أحد كبار الانفتاحيين الذي يحاول بأساليبه الملتوية ان يسقط التهمة عن إبنه لكي تحفظ القضية ضد مجهول . إلا ان الصحفي الذي صادف ان يكون شاهداً للحادث يصر على ان تأخذ القضية مجراها الطبيعي أمام القضاء . لذلك يقرر الوقوف ضد محاولات الانفتاحي الكبير والتصدي له ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام هذا الغول وتياره الجارف ، فنراه يصاب باليأس والاحباط والشعور بلا جدوى الحياة ، فيقرر تنفيذ حكم الاعدام في هذا الغول نيابة عن المجتمع . وينتهي الفيلم بسقوط الغول صريعاً بضربة من ساطور الصحفي .
كتب سيناريو الفيلم وحيد حامد معبراً بصدق عن مساويء مجتمع الانفتاح ورجاله وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية والاخلاقية . أما المخرج سمير سيف فقد نجح فعلاً في تقديم فيلم مثير وجرىء ، أحداثه متصاعدة درامياً حتى تصل الى ذروتها في النهاية . كل ذلك كان بشكل مقنع وغير مفتعل .
ربما لا يتفق الكثيرون مع نهاية الفيلم ، والتي تمثل حلاً فردياً لقضية إجتماعية عامة معقدة وخطيرة كهذه ، بينما من المفترض الدعوة الى الحل الجماعي عن طريق توعية أفراد المجتمع . وقد برر صناع الفيلم هذه النهاية عندما قدموا لنا في لقطة عابرة مكتب الصحفي في البيت ، لنشاهد بشكل خاطف كتاباً عن الارهابي كارلوس . كما مر عدة مرات على جدران بيته لنلاحظ بعض الصور والملصقات غير الطبيعية . وهنا إيماءة على ان الصحفي ذو ميول تمردية بطولية .
كما ان المخرج نجح الى حد كبير في تنفيذ مشهد قتل الغول ، فقد كان جريئاً جداً في ذلك . فبعد ان ضُرب الغول على رأسه سمعناه يصرخ (مش معقول .. مش معقول) وهو يتراجع الى الخلف متأثراً بالضربة التي قضت عليه ، ثم الفوضى التي أعقبت ذلك .. كل هذا يوحي بحادث المنصة وقتل الرئيس السادات .
لقد أدى عادل إمام واحداً من أصعب ادواره في السينما ، فقد كان الدور مليئاً بالمواقف المختلفة والمشاعر المتضاربة ، وجاء تجسيده لشخصية الصحفي موفقاً الى حد كبير ، فأعطى للدور مجهوداً كبيراً حتى انه جعل المتفرج يتعاطف معه الى درجة كبيرة ، ويقبل حله الفردي . و(الغول) .. فيلم سيظل من الافلام المهمة التي تناولت سياسة الانفتاح .