Friday, August 29, 2014

حكاية مشعلى الثورات .. مكتوب بالدماء


أسمع به وأبصر! إنه تاريخ الحركة الطلابية فى مصر
 الذى كتبه الطلاب على مدى تاريخ طويل بنضالهم
 وكفاحهم حينا، وبدمائهم وحريتهم أحيانا.
ولم يكتف الكتاب الصادر أخيرا بعنوان
 
«حكاية مشعلى الثورات» لمؤلّفه أحمد بهاء الدين شعبان
بعرض صفحات من تاريخ الحركة الطلابية فى مصر
ودور الطلاب التاريخى فى إشعال الثورات
وإنما ضمّنه بعض الشهادات الذاتية
 لأبطال الحركة الطلابية فى
 السبعينيات من القرن الماضي.

كان تقديم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم
 للكتاب كافيا لإعطاء الكتاب شيئا
 من الإثارة والمتعة
حيث قال نجم فى تقديمه
: «انتفاضة الطلبة المجيدة اللّى أشرق
على الدنيا صبحها الجميل فى نهايات عام 1971
لما يكتب عنها واحد من صنّاعها، نتفرج ونفرح ونتعلم
!
ولما يكون هذا الصانع هو أحمد بهاء الدين شعبان
.. تبقى الصنعة على أصولها 
.
فى بداية الكتاب يقرر أحمد بهاء الدين شعبان
 حقيقة أن دور الحركة الطلابية المصرية
 فى النضال الوطنى دور عريق قلّ أن يكون له نظير
مستشهدا بقول الباحث المرموق
«والترلاكير»
«التاريخ لا يعرف مجتمعا لعب فيه الطلبة والمثقفون
 عامة دورا طليعيا فى الحركة الوطنية مثلما
 حدث فى مصر
».
وبرأى شعبان فقد لعب الطلاب المصريون دورا أساسيا
 فى حمل أمانة العمل الوطنى
 وبالذات مع تباشير الثورة الوطنية الكبرى فى عام 1919
 مستشهدا بحادثة اعتقال قوات الاحتلال البريطانى
 سعد زغلول ورفاقه، حيث لم تمض بضع ساعات على اعتقالهم
 حتى انطلق الطلاب بمظاهراتهم الأولى فى
اليوم التالى 9 مارس 1919 يهتفون لحياة مصر
وسقوط الحماية، وفتحوا المدارس لإخراج طلابها
 وتحريضهم على الاشتراك فى المظاهرات
والإضراب احتجاجا على نفى سعد ورفاقه
واستمرت مظاهرات الطلاب وسقط المئات
 من بين صفوفهم شهداء وجرحى برصاص
جنود الاحتلال أولهم كان ستة شهداء
 وواحدا وثلاثين مصابا منهم 22 بنيران البنادق
 وبعدها سقط الشهيد محمد عزت بيومى يوم 11 مارس
 فى مصادمات الطلبة مع الجنود البريطانيين قرب كوبرى شبرا.
ذهب أحمد بهاء الدين شعبان إلى أنه بانتهاء الحرب العالمية الثانية
كان عود الحركة العمالية قد اشتد، وبدأت الحركة الطلابية
 تتطلع حولها بحثا عن حليف استراتيجى
 يمكن التعاون معه فى خوض معركة التحرير
 بدلا من القيادات الحزبية التقليدية المتهافتة
ومن هنا كان الالتقاء الكبير الذى تم فى 21
 فبراير 1946 بالطبقة العاملة المصرية
 تتويجا لكفاح أصلب الطبقات الوطنية عودا
 فى لقائها بالعناصر المثقفة والواعية من الطلاب.
وأضاف شعبان أن تصاعد النضال الطلابى كان
 قد تبلور فى تكوين 
«اللجنة الوطنية للطلاب» التى
أصدرت ميثاق 17 فبراير لكى يحدد أهم
 أهداف نضالها فى
:الجلاء التام برا وبحرا وجوا
 عن كل شبر من أرض وادى النيل
 تدويل القضية المصرية، التحرر من العبودية الاقتصادية .
وأشار إلى أن إعلان تكوين
اللجنة الوطنية للعمال والطلبة فى 18 و19 فبراير
 كان بمثابة قيادة جديدة للحركة الوطنية.
ويرى شعبان أن الحركة الطلابية الجديدة
 فى السبعينيات ولدت من رحم هزيمة 67 حيث
 انهيار المثل وخيبات الامل
 واكتشاف حجم المأساة والإحساس العميق بوطأة الاحتلال
 ومن مهانة الوضع القائم فى مواجهة
 الرايات الصهيونية المختالة التى كانت
 ترفرف فوق التراب الوطنى المقدس.
كل ذلك برأى شعبان أدى إلى انفجار
صواعق الغضب الطلابى فى موجتين متتابعتين
كانتا مقدمة للانفجار الكبير
:
أولاهما: فى فبراير 1968 احتجاجا
 على الاساليب التى قادت للهزيمة
وتجسدت فى النتائج الهزيلة لمحاكمة قادة الطيران.
والثانية فى نوفمبر من نفس العام (1968), وهذه
المرة جاءت من خارج القاهرة لتعلن أن شرارة الغضب
 الكامن بدأت فى الامتداد إلى أنحاء الوطن كله .
فمن المنصورة يبدأ الصدام احتجاجا على صدور
 القانون الجديد للتعليم العام، وتفجّر الموقف
 بإطلاق الرصاص على مظاهرات الطلاب السلميين
ثم يمتد اللهيب الى الاسكندرية العاصمة الثانية للبلاد
والتى يرتفع مستوى الصدام فيها بين الأجهزة الأمنية والطلاب
 إلى حد غير مسبوق، يعلن بوضوح أن الفراق التام
بين النظام والجماهير الطلابية قد وقع.
برأى أحمد بهاء الدين شعبان أن من أبرز
علامات الانتفاضة الطلابية الجديدة فى السبعينيات
 بروز مجموعة متميزة من القيادات الطلابية والشبابية الشجاعة
التى حازت ثقة قاعدتها الطلابية وعلى رأسهم
 أحمد عبد الله رزة طالب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
 الموهوب، فصيح اللسان والبيان.
وقد جاء فى شهادة رزة كما نشرها شعبان لأول مرة قوله :
«أشهد بأن عام 1971 كان عام ضيق وتبرم
 من قبل الشعب المصرى وسائر الشعوب العربية
التى طال أمد ترقبها لتحرير أراضيها التى احتلتها
إسرائيل عام 1967، وكان الطلبة فى طليعة
المترقبين الباحثين لأنفسهم عن دور
 فى معركة التحرير
» وأضاف رزة فى شهادته
 
«وقد ازدادت حدة التبرم الطلابى

من جراء الهوة الواسعة بين ما كانت تردده

 وسائل الاعلام من شعارات حول المعركة
 والواقع الذى يعيشون
».
برأى شعبان فإن الشعار العبقرى الذى صكه المنتفضون 
«كل الديمقراطية للشعب .. كل التفانى للوطن الجامعة
 الى كعبة لعشاق الحرية فى مصر، الذين رأوا
 فيما يحدث ميلادا جديدا للبلاد التى أرهقها حمل الهزيمة
وأملا جديدا للخلاص من عار الاحتلال.
وربما كان من أهم ما جاء فى كتاب
 
«حكاية مشعلى الثورات»
 الشهادة الشخصية التى قدّمها المؤلف

 عن انتفاضة 18، و19 يناير الشهيرة
 
(سمّاها السادات «انتفاضة الحرامية»).

يروى المؤلف كيف التقى مئات الآلاف
 من أبناء شعبنا فى يومهم الكبير 18 يناير
 وكيف لم تكف الحناجر عن الهتاف
 
«احنا الشعب مع العمال.. ضد تحالف راس المال».
«احنا الشعب مع العمال ضد حكومة الاستغلال»

ويتابع شعبان واصفا كيف بدأت المعركة
 فى يوم 18 يناير، قائلا

«
بدأت المعركة، بدأوها دفعة واحدة، وبدون سابق إنذار

الرصاصات المطاطية والقنابل المسيلة للدموع
تنفجر

 فى كل مكان غازات كثيفة تحجب الرؤية وتؤذى العيون

وتلهب الصدور، غازات لزجة وثقيلة وحارقة
استوردوها خصيصا قبل فترة وجيزة من
الولايات المتحدة الامريكية وعبارة

 
MADE IN U.S.A مطبوعة على علب العبوات الفارغة المتبقية
 بعد اطلاقها على الكتل الجماهيرية العزلاء
».
اليوم الثانى 19 يناير 1977
يصدّر المؤلف شهادته على انتفاضة 18و 19 يناير

مذكّرا بالهتافات التى رددها المنتفضون ومنها
«يا دى العار يا دى العار .. مصرى بيضرب مصرى بنار»

وأضاف
شعبان أن الراديو كان يتقيأ أكاذيبه
وادعاءاته وسمومه المعهودة، والجرائد كانت
 تتحدث بمانشيتاتها العريضة عن 
«المخربين الذين عاثوا فى البلاد فسادا».
وينهى شعبان شهادته المثيرة للشجن والشجى قائلا  «أسترجع شريط الاحداث الرهيبة التى انقضت
 كأنى أعيش حلما لمّا أفق من سطوته بعد
حزينا وسعيدا، فخورا وغاضبا فى آن معا
 وأسمع من زقاق جانبى صوت
 الشيخ إمام
يلعلع عبر جهاز التسجيل
:
«يامصر قومى وشدى الحيل
كل اللى تتمنيه عندي
يا مصر عودى زى زمان
ندهه من الجامعة وأذان
يا مصر قومى وشدى الحيل
يا مصر قومى وشدى الحيل» .
الكتاب : حكاية مشعلى الثورات
المؤلّف: أحمد بهاء الدين شعبان
الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة
الصفحات : 199 صفحة

0 comments:

Post a Comment

قول ولا تجرحـش