«وطننا من اليوم فصاعدا قادر على أن يرى الشمس والسماء.. لقد سقط الديكتاتور».. كانت هذه هى أولى كلمات رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشينكو بعد ساعات من الإفراج عنها من المستشفى التابع لإدارة السجون فى مدينة خاركوف تعقيبا على تصويت البرلمان بعزل الرئيس الأوكرانى فيكتور يانكوفيتش وأيضا مصادقة البرلمان على إقرار قانون يقضى بإطلاق سراحها بعد أن قضت نحو 30 شهرا خلف القضبان من العقوبة المقررة 7 سنوات فى قضية استغلال نفوذ وفساد أثناء توقيع اتفاقيات فى مجال الغاز مع روسيا فى عام 2009.
قرار الإفراج عن زعيمة المعارضة كان مفاجئا ومثيرا, ولكنه ليس أكثر إثارة من إعلان نيتها الترشح فى الانتخابات الرئاسية المبكرة التى دعا إليها الرئيس الحالى والمقرر إجراؤها فى الخامس والعشرين من مايو المقبل, فهذه السياسية المتمردة لقبها شعبها بكثير من الألقاب, فهى «أميرة الثورة البرتقالية», « كرة اللهب الأوكرانية» و«الحسناء ذات الضفائر الذهبية», تسميات وكنى كثيرة تنوعت بقدر تنوع ألقابها التى انتسبت إليها وطالما احتدم الجدل حولها. فهى يوليا تيموشينكو نسبة إلى الزوج ألكسندر تيموشينكو الذى تعرفت عليه فى عام 1979 بمحض المصادفة، من خلال مكالمة هاتفية وردت إليها على سبيل الخطأ، لكنها كانت مقدمة لحديث طويل سرعان ما أفضى إلى الزواج,وهى أيضا يوليا تيليجينا عن الأم التى تارة يقولون إنها يهودية الأصل، بينما ينسبونها تارة أخرى إلى القومية الأوكرانية, ولم تقتصر التعقيدات على لقب وقومية الأم، بل تعدتها لتنسحب أيضا على جنسية الأب الذى تقول تيموشينكو إنه من أصول لاتفية، بينما يقول خصومها إنه يهودى الأصل.
تيموشينكو استطاعت جذب أنظار العالم برفضها الأحكام القضائية وبإضرابها المتكرر عن الطعام بسبب سوء معاملتها داخل محبسها، وتميزت عبر مشوارها بأناقتها وملابسها العصرية التى كانت أحد ملامح قوتها السياسية، كما اختارتها مجلة فوربس الأمريكية ضمن أكثر مائة امرأة تأثيرا فى العالم لعام 2005 . بدأت حياتها العملية اقتصادية ناجحة ثم وزيرة للطاقة، وبعدها معارضة سياسية مؤثرة، وكان لها أدوار مهمة فى أثناء الثورة البرتقالية، ثم أصبحت بعدها رئيسة للوزراء، فمتهمة فى قضايا فساد، كما استطاعت بذكائها الفطرى الانتقال بثبات من مجال الاقتصاد والأعمال إلى عالم السياسة، فترشحت لعضوية البرلمان الأوكرانى و فازت بها فى عام 1996، وكانت مقدمة لتشكيل تحالفها الانتخابى "التجمع" الذى سرعان ما تركته لتشكل حزبها"الوطن
واستنادا إلى هذا الحزب، قفزت يوليا تيموشينكو ( 52 عاما) إلى صدارة الساحة السياسية كنائبة لرئيس الحكومة، فيكتور يوشينكو، الذى اختاره الرئيس ليونيد كوتشما لهذا المنصب، متوسما فيه الحيوية والنشاط لإنقاذ البلاد من عثراتها، وهو نفس الرئيس الذى سرعان ما انقلب عليه يوشينكو ونائبته تيموشينكو فى مطلع هذا القرن الواحد والعشرين. لكن المسيرة لم تكن كلها مفروشة بالورد, فلم تكن تيموشينكو لتستطيع مراكمة ثرواتها ودعم مواقعها دون مخالفات أو تجاوزات, فكانت النيابة العامة لها بالمرصاد، ليس فى أوكرانيا وحدها بل فى روسيا أيضا التى لاحقتها عن طريق الإنتربول سعيا وراء محاسبتها على ما اقترفت يداها من جرائم رشوة واستغلال نفوذ مع ممثلى وزارة الدفاع الروسية، وهى الجرائم التى ظلت معلقة حتى بعد سنوات الثورة البرتقالية، ولم تسقطها موسكو إلا فى عام 2007 بإيعاز من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
أما على مستوى الداخل فقد كانت الخصومة أكثر حدة، مما جعل النيابة العامة تعلنها ببعض تجاوزاتها فى عام 2000 على النحو الذى أسفر عن إقالتها من منصبها كنائبة لرئيسة الحكومة فى يناير2001، وسرعان ما أودعت إحدى زنزانات السجن العمومى فى كييف لمدة شهر.
لكن تيموشينكو خرجت من محبسها أقوى من ذى قبل، لتسارع إلى لملمة أطراف تحالفاتها السابقة وتقوم فى عام 2001 بتشكيل التحالف الانتخابى الأوسع الذى اختارت اسمها (يوليا تيموشينكو) عنوانا له، ولتخوض ورفاقها تحته الانتخابات البرلمانية فى مارس 2002، التى فازت فيها بـ22 مقعدا كانت خير داعم لها فى معركتها التى خاضتها لاحقا للفوز فى الانتخابات الرئاسية فى يوليو 2004، منافسة لكل من فيكتور يوشينكو رئيسها السابق فى الحكومة الأوكرانية فى مطلع عام 2000 وفيكتور يانوكوفيتش رئيس الحكومة الأوكرانية فى ذلك الحين.
ومن المعروف عنها عدم استسلامها للأمر الواقع، فحتى بعد خسارة منصبها كرئيسة للوزراء ترشحت عام 2010 لانتخابات رئاسة الجمهورية التى خسرتها أمام الرئيس الحالى يانوكوفيتش، وعلى الرغم من دورها فى الثورة البرتقالية، فإن هذا لم يمنعها من ارتكاب الفساد والتهرب الضريبى وسوء استخدام سلطتها، مما أدى إلى الحكم بسجنها ومنعها من ممارسة السياسة ثلاث سنوات بعدها، لتجذب تعاطف أنصارها وكذلك دفاع الدول الأوروبية عنها وعن سياساتها الإصلاحية التى انتهجتها خلال فترة رئاستها للوزارة
جريدة الأهـــــــــــرام
وجه فى الأنباء
دينا عمارة
جريدة الأهـــــــــــرام
وجه فى الأنباء
دينا عمارة
0 comments:
Post a Comment
قول ولا تجرحـش