النهاردة اشتغلت وتعبت وشقيت طول اليوم..ومفيش فى جيبى جنيه".. جملة
يرددها بكرى عبد الحميد هاشم، يوميا على مسامع أسرته بعد عودته من يوم عمل
طويل وشاق فى "الغيط".
بكرى 63 سنة ، هو أحد صغار الفلاحين ممن يتقاسمون بضعة فدادين مع أفراد
أسرهم الكبيرة. ولد فى كفر الشيخ إبراهيم بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية
لأب فلاح ليرث المهنة منذ الطفولة ويترك المدرسة الإعدادى للعمل فى الأرض.
ورغم أهمية القطاع الزراعى فى مصر فهو أحد ضحايا إهمال الفلاحين وتراكم
مشكلاتهم لتتدهور أحوالهم كل يوم كما يقول عم بكرى. "الزرع لا يدخل دارى
إلا نادرا ..الخير كان موجود..دلوقتى حياة الفلاح صعبة جدا.. مش قادر يزرع
..كل حاجة غالية نار من أسمدة وتقاوى وكيماوى حتى أكل البهايم ..ماعدا
المحصول هو اللى رخيص..العجل اللى بـ15 الف اصبح بـ 8 و9 آلاف ..غير
الأمراض التى تهددها كل يوم سل وحمى ولا أحد ينجدنا".
مشكلات كثيرة يعانى منها الفلاحون منذ عدة سنوات لكن العام الماضى هوالأصعب كما يقول بكرى "ما شفتش يوم يسُر خاطرى" ..
يروى بكرى معاناة حياته اليومية فى ظل عدم توافر امكانات الزراعة ولهيب
أسعارها: "الجمعية الزراعية لا تعطينا سوى 3 شكاير سماد للفدان بحوالى 60
جنيه..وفدان الغلة (القمح) يحتاج من 7 إلى 8 شيكارة نشتريها بضعف الثمن
..ولا يعطونا أسمدة للبرسيم رغم أهميته كغذاء للبهايم..الأرض مصاريفها كل
يوم ..التقاوى..المبيدات ..والرى..مفيش سولار..علشان أدور المكنة للرى،
أدفع 12 جنيه فى الساعة.. غير أجرة العمالة اللى مش لاقينها"
عم بكرى لديه 3 بنات وولدين أكبرهم محمد متزوج ويعمل بأحد المصانع فى
ورديات يهرول بعدها لمساعدة والده فى حين يحمل الأب هم زواج البنات ودراسة
عبد الحميد، الإبن الاصغر.. يبدأ يومه فى الثامنة صباحا بالإفطار الذى تعده
زوجته أم ماجدة – المحرومة دائما من حق الراحة- ..حليب طازج ..ورقاق من
الحليب والسمن والقشطة..وجبة، تمكنه من تحمل مشاق عمل اليوم الذى يبدأ
بتجميع البرسيم من الأرض وحمله لإطعام البهائم ..ويستمر حتى تبدأ الشمس فى
المغيب ..مابين أعمال الحرث والرى والرش والحصاد بحسب الموسم ، يضاف إليها
العناية المستمرة بالمواشى. عمل مستمر لا يتوقف إلا للصلاة أو الطعام رغم
سنوات عمر بكرى ومرضه.."الفلاح ما عندوش دخل..لو ما اشتغلتش مش
هناكل..والبيت محتاج مصاريف"
يعود بعدها إلى منزله لمتابعة نشرة أخبار التاسعة التى يحرص عليها "علشان
أعرف أخبار البلد.. يا خسارة على مصر..كانت أحسن بلد.. وكأنه مفيش ثورة
حصلت. بعد الانتخابات البلد هديت..بس لما الناس ملقتش
حاجة حصلت رجعوا الشارع تانى.. محدش مهتم بالإنتاج ولا بالفلاحين لا جمعية
زراعية ولا إرشاد زراعى والمحصول اللى ببيعه، فلوسه ما بتباتش فى البيت..
لأن الأرض مصاريفها كتير وسعر المحصول لا يساوى تكاليفه.. وكأنه محرم على
ان يبقى فى جيبى جنيه واحد..الغلا بياكل المحصول..وقالوا ح يرفعوا الديون
على الفلاحين حتى 10 آلاف جنيه لكن " شالوا بس الفوايد" ويستنكر: " الخلق ح
تبيع الأرض".
وتتدخل ابتهال زوجه ابنه: "الفلاح يشيل من الزرعة ويحط فى الزرعة الثانية
..لكن بقى صعب علينا نصرف على الأرض.. ودلوقتى كتير بيفكروا يبيعوها..
المواشى كمان ادمرت والطيور.. تصيبها الأمراض وتموت ويأتينا الأطباء دون
جدوى. ولو فكرعم بكرى يبيع أحد العجول التى تكلفه حوالى 700 جنيه شهريا
لإطعامها من برسيم ودشيش وردة لتزويج إحدى بناته أو لضرورة العلاج ..لا
يزيد سعره عن 8 آلاف جنيه.. فى حين يصل كيلو اللحم ل60 جنيه..ازاى يقدر
يعيش؟ وتتعجب: الفرح أصبح عند الفلاح هماَ..عم بكرى مهموم وحزين لأن إبنته
تمت خطبتها.."لازم أجهزها زى باقى اخواتها".
يعيش اليوم بيومه ويصرف على المحصول وفى آخر السنة لا يجد ما يصرف به على
احتياجات أبنائه أوعلاج ما يصاب به من أمراض. " مليش معاش ولا تأمين صحى
واضطررت لبيع إحدى البهائم لإجراء عملية المرارة".
لكن رغم كم التحديات يرفض عم بكرى فكرة بيع الأرض ويعتبرها عارا : " دى
حياتنا ومصدر رزقنا لكن لو استمر اهمال الفلاحين كده نور(حفيده) أكيد ح
يبيع، وتستطرد أم نور:
"اللى معاه فلوس هو اللى عايش..والنهارده التجار هم المستفيدون وبيدوسوا على الآخرين..ومنهم الفلاح الذى أصبحخفير الشعب..وتتساءل لو الفلاح بطل انتاج وباع أرضه مين ح يأكلنا؟
تفاقم مشاكل الفلاح وتراكمها يهدد بقائه بل يهدد الزراعة المصرية ويزيد من
فاتورة استيراد الغذاء..ويحوله هو الآخر من صفوف المنتجين إلى
المستهلكين..فهل من مسئول؟
====================
موضوع قديم نقلته من الأهرام
ولا أتذكر التاريخ صراحة
ولكنه مستمر إستمرار
!!!إستمرار الحياة