طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يوم الثلاثاء، المستشار عدلي
منصور رئيس الجمهورية المؤقت، بضمان التحقيق المحايد مع ضباط الجيش والشرطة
في وقائع القتل التي جرت أمام مقر الحرس الجمهوري يوم 8 يوليو 2013.
وشددت على أنه ينبغي أن تتم التحقيقات على يد القضاء المدني، المستقل على الصعيدين المؤسساتي والعملي عن تسلسل القيادة العسكري، حسب تعبيرها.
وقالت المنظمة، في بيان لها، إن شهود تتابع الأحداث التي وقعت يوم 8 يوليو، وصفوا استخدم الجيش والشرطة للقوة بغير الضروري، مما أدى إلى وفاة 51 متظاهراً. لافتة إلى أن النيابة حققت مع مؤيدي جماعة الإخوان وقادتهم فحسب، لدورهم المفترض في الاشتباكات، ولكنها لم تحقق مع قوات الجيش والشرطة.
من جانبه، قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتمتع الجيش بسجل معروف من اللجوء السريع والمفرط إلى القوة المميتة لتفريق المتظاهرين.. وقد وصف شاهد بعد شاهد كيف أطلق الجيش النار على الحشود، بمن فيهم العزل"، مطالبًا "الحكومة بأن تتوصل إلى المسؤول وأن تضمن محاسبته، إذا كانت ترجو إظهار احترامها للحقوق الأساسية في هذه الفترة الانتقالية"، حسب قوله.
وأضافت المنظمة، أنه في 8 يوليو تحركت قوات الجيش والشرطة قبل الفجر مباشرة لتفريق اعتصام لمؤيدي الإخوان المسلمين، واندلع العنف على مدار الساعات الست التالية، فقام ضباط عسكريون، بينهم جنود متمركزون فوق أسطح المباني العسكرية، بإطلاق الذخيرة الحية، التي قتلت وجرحت المتظاهرين في حالات كثيرة. وألقى المتظاهرون بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وأطلقوا الأعيرة النارية في بعض الحالات. عند انتهاء الصباح كان 51 متظاهراً، و3 من أفراد قوات الأمن، واثنان من ضباط الشرطة، وفرد عسكري واحد قد لقوا حتفهم، بحسب وزارتي الصحة والدفاع.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنها لم تجد أدلة على حدوث ما قاله الناطق باسم القوات المسلحة، العقيد أحمد علي، من ان المتظاهرين حاولوا اقتحام مبنى الحرس الجمهوري. كما أن الجيش لم يكشف عن أية أدلة تؤيد قوله، بل اكتشفت أن المتظاهرين كانوا يصلّون أو يتجمعون سلمياً وقت تحرك الجيش والشرطة لفض الاعتصام.
وكان أعضاء الإخوان المسلمين ومؤيدوهم قد تجمعوا أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم بدءاً من 5 يوليو، وتزايدت أعدادهم بعد دعوة الجماعة إلى الاعتصام هناك في 7 يوليو.
وتحدثت "هيومن رايتس ووتش" مع 24 شاهداً، بينهم متظاهرين وبعض سكان المنطقة، وأجرت مقابلات مع سبعة أطباء. كما زارت موقع الحادث، وأربعة مستشفيات نقل إليها القتلى والمصابين، وكذلك المشرحة، وراجعت مقاطع فيديو حصلت عليها من متظاهرين ومن منافذ إخبارية تعتبرها "هيومن رايتس ووتش" ذات مصداقية. وقد اتفق جميع الذين أجريت معهم المقابلات ممن شهدوا بدء أحداث العنف، كما أوحت مقاطع الفيديو أيضاً، على تحرك قوات الجيش وقوات الأمن المركزي، قبيل فجر 8 يوليو، لفض الاعتصام، بالزحف على المتظاهرين بالتزامن من أمام مبنى الحرس الجمهوري عند طرف الشارع، ومن أمام مسجد المصطفى عند طرفه الآخر، حسب قولها.
وذكرت أيضًا، أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع وطلقات فارغة في الهواء، وزحفت على المتظاهرين من جانبين، على الأقدام وكذلك بأكثر من 12 عربة مدرعة. تراجع المتظاهرون وتفرقوا في الشوارع الجانبية. وعلى مدار الساعات القليلة التالية، حسبما قال الشهود، رد كثير من المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف بينما أطلقت قوات الجيش الذخيرة الحية وأطلق الأمن المركزي الخرطوش على الحشود، التي كان عددها في تلك اللحظة يقدر بالآلاف. وأكد شهود، وكذلك مقاطع الفيديو التي شاهدتها "هيومن رايتس ووتش"، أن قلة من مؤيدي الإخوان المسلمين على الأقل كانت تحمل البنادق، وأطلق هؤلاء طلقات حية وخرطوش. قام الجنود المتمركزون على الأسطح المجاورة، وكذلك الضباط المتمركزون في أماكن أخرى، بإطلاق النار على عدد من المتظاهرين أو المارة. لم تتضح من مقاطع الفيديو هوية الطرف الذي بدأ بإطلاق الذخيرة الحية.
وأشارت إلى أنه في رد على وقائع القتل، أمر الرئيس منصور، بتحقيق تجريه "هيئة قضائية" مدنية، لكن السلطات لم تقدم معلومات أخرى عن تشكيلها أو سلطاتها. والإعلان الدستوري الذي كشف عنه منصور يوم 8 يوليو يمنح القضاء العسكري اختصاصاً حصرياً في الجرائم التي تمس الأفراد العسكريين، مما يعني عجز تلك الهيئة المدنية عن التحقيق مع ضباط الجيش المحتمل تورطهم في العنف ومحاكمتهم.
وطالبت المنظمة من الرئيس منصور، أن يصدر إعلاناً آخر يخول المحاكم المدنية المستقلة سلطة التحقيق مع الأفراد العسكريين في حالة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يكون ضحاياها من المدنيين، من أجل التعامل مع هذه الواقعة وغيرها، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقال جو ستورك، "لقد شهدنا مراراً وتكراراً كيف يعجز نظام القضاء العسكري في مصر عن التحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بأي قدر من الحياد، حيث يظل أعضاء النيابة والقضاء العسكريين خاضعين لتسلسل القيادة الذي يخضع له من يحققون معهم، مما يجعل الاستقلال والحيدة مستحيلين".
وأشارت المنظمة إلى أن النيابة أعلنت فقط عن تحقيقها مع 206 من مؤيدي الإخوان المسلمين الذين تم اعتقالهم من مسرح الأحداث وما زالوا قيد الاحتجاز. كما أصدرت النيابة أوامر ضبط وإحضار بحق عشرة من قادة الإخوان المسلمين، بينهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، بتهمة التحريض على العنف فيما يتعلق بالواقعة. لم يتم الإعلان عن تحقيق مع أفراد الجيش أو الشرطة حتى تاريخه، رغم أن الأغلبية الساحقة من القتلى كانت في صفوف المتظاهرين.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن تحديد الحالات المشروعة لإطلاق النار المؤدي إلى القتل على وجه الدقة هو أمر مستحيل - والمقصود هنا تلك الوقائع التي كان قتلاها مسلحين ويطلقون النار على قوات الأمن- لكن ما يتضح من حصيلة القتلى والأدلة المستمدة من الشهود هو أن الجيش رد بقوة مميتة تتجاوز بكثير أي تهديد ظاهري تعرضت له حياة الأفراد العسكريين، مشددة على أنه ينبغي التحقيق في كافة الوفيات -وفيات المتظاهرين والمارة وأفراد الأمن- وملاحقة المسؤولين عن الاستخدام غير المشروع للقوة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وأضاف جو ستورك: "تعد هذه هي الواقعة الأكثر دموية التي شهدتها مصر منذ الانتفاضة ضد مبارك، وهي تأتي في لحظة من الاستقطاب السياسي الحاد. ويتعين على الرئيس منصور إصدار إعلان دستوري يمنح القضاء المدني المستقل سلطة فحص مسؤولية الجيش والشرطة على كافة مستويات القيادة، وكذلك مسؤولية المتظاهرين، وإصدار لوائح اتهام جنائية بحق من تثبت مسؤوليتهم عن استخدام العنف والقوة المفرطة أو غير المشروعة من أوجه أخرى".
وتابعت المنظمة: "تدل أقوال الشهود على أن قوات الأمن بدأت في الزحف على المتظاهرين في نحو الساعة 3:20 صباحاً. ويبدو أن المتظاهرين قد شعروا بتحرك قوات الأمن عند طرف الشارع القريب من مسجد المصطفى أكثر. قال أحمد حسين، الذي يسكن أحد الطوابق العليا من عمارة العبور رقم 9 المطلة على المسجد، لـ هيومن رايتس ووتش: سمعت جلبة الطرق على المعادن تصدر من أسفل، وكانت تمثل نداء التجمع أثناء الثورة عند ظهور خطر، فخرجت إلى الشرفة، وكان مئات من أعضاء الإخوان قد انتهوا لتوهم من الصلاة ويخرجون من المسجد حين رأيت الجيش والأمن المركزي يقتربون منهم. وكنت أرى أنهم لم يكونوا يتوقعون هذا لأنهم سارعوا إلى تكسير الحجارة على عجل. كان هناك نحو 12 حاملة أفراد عسكرية وسيارتان أمن مركزي. وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الإخوان".
وأضاف حسين، أن إطلاق النيران الكثيف، بما فيه الأسلحة الآلية، بدأ في نحو الساعة 3:53 صباحاً، وأن معظم الطلقات صدرت من ناحية الجيش، لكنه سمع بعضها يصدر من اتجاه المتظاهرين أيضًا.
وقد تأكدت أقواله بأقوال أحد متظاهري الإخوان، وهو حازم ممدوح، الذي قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة بدأت في التحرك حوالي الساعة 3:20 صباحاً، قبل انتهاء صلاة الفجر، التي صلاها في ذلك الصباح في مسجد المصطفى: سمعنا المتظاهرين الذين يحرسون الاعتصام يطرقون المعدن بالحجارة، وهي دائماً علامة تحذير. ورأينا ما يشبه شاحنات الشرطة ـ كان الظلام ما زال سائداً فلم أتبين تماماً ـ تأتي من صلاح سالم في اتجاه مقر الحرس الجمهوري، وفجأة ملأ الغاز المسيل للدموع المكان. وعلى الفور سمعنا صوت الأسلحة الآلية العالي. جريت نحو مقر الحرس الجمهوري للاختباء في الشارع الجانبي. لم نكن مستعدين على الإطلاق"، بحسب المنظمة.
وقال حسام القاضي، وهو أحد سكان عمارة العبور رقم 10 المواجهة للمسجد على الجهة الأخرى من الشارع، إنه استيقظ في الرابعة صباحاً على صوت إطلاق البنادق الآلية وعبوات الغاز المسيل للدموع. "من نافذتي رأيت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع وخلفهم مباشرة كان الجيش يقف ويطلق النار في الهواء، لأنهم لو استهدفوا مؤيدي الإخوان المسلمين لأصابوا الشرطة بالطبع، لكنهم لم يفعلوا، بل أطلقوا النار في الهواء. كان إمام المسجد يستغيث... رأيت أناساً يجرون نحو المسجد وليس في الاتجاه العكسي"، على حد تعبيره.
وأضاف محسن سودان ، 43 سنة وأحد مؤيدي الإخوان المسلمين من كفر الشيخ، لـ هيومن رايتس ووتش: لم يكن هناك أي مؤشر على وقوع مشاكل في الليلة السابقة. كنا نشكر قائد الحرس الجمهوري على سلوكه وحسن معاملته لنا. كنا بالآلاف ـ ولم نتوقع حدوث هذا، وعند الفجر كنا ننتهي من الصلاة. سمعنا صوت الطلقات فتعجل الإمام في إنهاء الصلاة. ثم صدر صوت الطلقات من الجهة اليسرى من اتجاه مسجد المصطفى. وبعد 15 أو ربما 20 دقيقة بدأ الناس يسقطون. جريت عائداً، بعيداً عن مقر الحرس الجمهوري. كان هناك قناصة فوق أحد المباني العسكرية. كنت في منتصف الطريق المؤدي إلى مقر الحرس الجمهوري ورأيت شابين يصوران من شرفتهما. أطلق القناصة النار عليهما. وواصلوا إطلاق النار حتى الساعة 10:30 صباحًا".
كما قالت إحدى سكان البناية المطلة على الحرس الجمهوري لـ هيومن رايتس ووتش، إنها شاهدت إطلاق الغاز المسيل للدموع على مدار عدة ساعات، وإن الجيش كان يفض الاعتصام. وقال كرم محمود، وهو مشارك في الاعتصام من بني سويف عمره 29 عاماً، إنه سمع بعد صلاة الفجر صوت إطلاق الغاز المسيل للدموع فذهب في اتجاهه: في البداية سمعنا صوت الطرق على أعمدة الإنارة. ثم رأينا الحرس الجمهوري يأتي من يسار المبنى. كانوا يطلقون الخرطوش، ثم جاءت قوات الأمن من اليسار ومن اليمين. كان الغاز شديد الكثافة، فتراجعنا، وفور اقترابهم منا أطلقوا علينا الخرطوش. كان المشهد مروعاً: نيران كثيفة ومستمرة. كان هذا أمام مبنى وزارة التخطيط. وكنت مصاباً بالخرطوش، فذهبت إلى المستشفى الميداني"، على حد زعمه.
وكذلك قال محمد حسن، أحد مؤيدي الإخوان المسلمين: كنا نصلي حين بدأ المتظاهرون المسؤولون عن تأمين الاعتصام في الاستغاثة. ذهب البعض لرؤية ما يحدث وواصل آخرون الصلاة. ذهبنا إلى الحاجز الذي كنا قد أقمناه وفوجئنا برؤية الجيش أمامنا وجهاً لوجه، والشرطة على الجهة الأخرى من الشارع.
هذا، وقد تحدثت هيومن رايتس ووتش، مع محمد شحاتة، وهو سائق كان يقف لحراسة السيارات أمام بناية سكنية تجاور مقر الحرس الجمهوري، وقال إن الجيش أطلق تحذيرات بمكبرات الصوت. وبعد ذلك، حسب قوله، "أطلق الجيش عليهم الغاز المسيل للدموع ورد الإخوان المسلمون بإلقاء الحجارة". قال شحاتة إنه لم يشهد أي استخدام للذخيرة الحية عند تلك النقطة.
وأضافت، أنه على مدار الساعات الست التالية، حسب أقوال الشهود، أطلقت قوات الجيش الذخيرة الحية وأطلق الأمن المركزي الغاز المسيل للدموع والخرطوش، بينما ألقى المتظاهرون الحجارة وزجاجات المولوتوف، وأطلقوا في بعض الحالات رصاص البنادق رداً على قوات الأمن. وتؤيد مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش، والمقاطع المأخوذة من هواتف الشهود الخلوية، هذه الأقوال، وتُظهر جنود الجيش المتمركزين فوق الأسطح ببنادق آلية يطلقون النار على الحشود. أظهرت مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش ثلاثة من مؤيدي الإخوان المسلمين يطلقون النار من بنادق.
وقال محمد محمود، أحد سكان عمارة العبور رقم 4، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الضوضاء ورائحة الغاز المسيل للدموع أيقظته. وقال إنه شاهد أحد مؤيدي الإخوان المسلمين يطلق الخرطوش على قوات الأمن.
من جانبه، قال حسام القاضي، الذي يسكن عمارة العبور رقم 10، على الجهة المقابلة لمسجد المصطفى، إنه شاهد مؤيدي الإخوان المسلمين يلقون الحجارة على الجيش، وشاهد "شخصا واحداً على الأقل وسط المتظاهرين يطلق الخرطوش. رأيت الشرارة".
وفي واقعتين على الأقل راجعتهما هيومن رايتس ووتش، يبدو أن نيران قوات الأمن قد قتلت متظاهرين عزلاً وسلميين. في أحد مقاطع الفيديو التي شاهدتها هيومن رايتس ووتش، ويبدو أنها حقيقية، تقف مجموعة من الرجال للتفرج على الاشتباكات من مبعدة دون أن يبدو عليها المشاركة فيها، وفجأة يسقط رجل منهم على اليسار أرضاً. وبينما يرفع الآخرون جثته، التي يبدو أن الحياة قد فارقتها، يتسرب الدم من ظهر قميصه. وفي واقعة أخرى قتل المصور الصحفي أحمد عاصم، 26 سنة، على يد جندي متمركز لإطلاق النار، أثناء تصويره الأحداث. في المقطع المنشور على الإنترنت، يقوم عاصم بتصوير جندي على سطح مبنى وزارة الدفاع يطلق النيران في اتجاه آخر، ثم يلتفت ويطلقها على المصور مباشرة.
وقال أشرف سيد، وهو متظاهر جريح، تحدثت هيومن رايتس ووتش إليه في المستشفى، إن قوات الأمن أطلقت عليه النار رغم أنه لم يكن يحمل سلاحًا: كان هناك صفان من الجيش والشرطة. أطلق عليّ ذوو الزي الأسود [قوات الأمن المركزي] الخرطوش. ولم يكن في يدي شيء. وقال أربعة متظاهرين آخرين على الأقل أجريت معهم مقابلات إنهم كانوا عزلاً وجرحتهم طلقات البنادق، وكان هذا في بعض الحالات أثناء انسحابهم من الاشتباكات.
كما قال وائل بدر إنه سمع قبيل الرابعة صباحاً أن الاعتصام يتعرض للهجوم فهرع مع آخرين من اعتصام مسجد رابعة العدوية، وهو موقع المظاهرة الرئيسية للإخوان المسلمين، على مسيرة 15 دقيقة من شارع صلاح سالم، فوجد أن هناك إطلاقاً مستمراً للنيران: كان لديهم [قوات الأمن] قناصة على الأسطح. وكان يجري إطلاق الغاز المسيل للدموع وكنا نرى بالكاد، وإطلاق النار متواصل. انحنيت لتفادي الغاز المسيل للدموع في لحظة معينة والحمد لله على نهوضي لأن الرصاصة اخترقت ساقي في تلك اللحظة وما زالت هناك. لم يتم استخراجها.
وتضيف المنظمة، أن محمد حسن، أحد مؤيدي الإخوان المسلمين، قال: كانت هناك عربتان مدرعتان تطلقان الكثير من الغاز المسيل للدموع فلم نكن نرى جيداً. وعند تلك اللحظة بدأ الجيش يطلق الذخيرة الحية. رأيت شخصين يصابان في الرأس وكانا يقفان أمامي عند الحاجز. بدأنا ننسحب حين فوجئنا برؤية عشرات الأشخاص جرحى على الأرض. لا نعرف أين أصيبوا. واصلنا الانسحاب. أصيب أحد أصدقائي برصاصة في ساقه. وحين ذهبت لرفعه أصبت [بالخرطوش] في صدري.
وأضاف أحمد صلاح، الصيدلي وعضو الإخوان المسلمين: كنت في مسجد رابعة حين سمعت بتعرض الاعتصام للهجوم فهرعت من شارع الطيران وخرجت في موضع النفق. كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع دون توقف. كانت هناك عربة مدرعة كبيرة تتقدم وتتراجع. كانوا يطلقون الخرطوش على الأرض أمامنا. كنت أقف وحدي على الرصيف أمام فندق سونستا وأحاول أن أقرر أي الطرق سأتخذ حين أصبت فجأة في أسفل سمانة ساقي اليسرى.
في أحد مقاطع الفيديو الملتقطة في ذلك الصباح، يقوم المتظاهرون على دراجات نارية بحمل عشرة جرحى على الأقل من شارع الطيران على مدار فترة طولها 7 دقائق، بينما يُسمع صوت طلقات عادية، وإن لم يكن صوت الأسلحة الآلية المتواصل. ويبدو على كثيرين أنهم أصيبوا بالرصاص وليس الخرطوش، كما تبدو إصابة شخصين في الرأس، وشخصين في الصدر، وشخصين في البطن.
ونقلت المنظمة ما قاله حازم ممدوح، متظاهر الإخوان المسلمين، إنه كان قد صلى في مسجد المصطفى: رأينا عدداً من شاحنات الشرطة وحاملات الأفراد العسكرية المدرعة على السواء، وكذلك مجندي الأمن المركزي وهم يحملون الدروع البلاستيكية. بصراحة، بدأنا نلقي عليهم الحجارة في تلك اللحظة. كانوا شديدي التنظيم. بدأوا يطلقون الغاز المسيل للدموع والخرطوش وكل شيء. قرب فندق سونستا بدأ البعض يقيمون سوراً معدنياً مما طالته أيديهم في المنطقة لحماية الجميع. وكنا نلقي الحجارة أيضاً. تسلق شخصان إحدى عمارات العبور، عمارة عالية، وكانوا يلقون بزجاجات المولوتوف، شخصان وليس عدداً كبيرًا. وأضاف أن قوات الأمن بدأت تزحف علينا من شارع الطيران، وعندها أيضاً لاحظت وجود قناصة فوق المبنى المواجه للمبنى الذي شبت فيه النار. بل إنني رأيت مصوراً يقف بالكاميرا لمدة حوالي دقيقتين دون أن يختبئ، مما يثبت أننا لم نكن مسلحين وإلا لحاول حماية نفسه. احتميت، لكنني كنت أرى جثث الناس على الأرض أينما أدرت وجهي لرؤية ما يحدث.
كما قال أحمد السيد، أحد متظاهري الإخوان البالغ من العمر 21 سنة: كانت الساعة حوالي 4:45 صباحاً، وكنا نجري من شارع الطيران إلى شارع محمد طلعت، وكانوا يطلقون الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والخرطوش. لم أصب إلا في أنفي، بفضل الخوذة التي كنت أرتديها. كان الشباب يردون بالألعاب النارية والشماريخ وبإلقاء الحجارة. وبحلول الساعة 7 صباحاً كان القناصة يستهدفون الناس عمداً. حملت سبع جثث وكلهم مصابون في النصف العلوي من الجسم. وكان آخر شخص حملته مصاباً في رأسه، على حد قوله.
وقال السيد لـ هيومن رايتس ووتش إن صديقه عمار حسن، من الأقصر، أصيب في عنقه: "رأيت جثته وهم يخرجونها من عربة الإسعاف ورأيت جرح الطلق الناري على الجانب الأيسر من عنقه".
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن التقارير المبدئية لمصلحة الطب الشرعي الرسمية، تؤكد أن كافة القتلى أصيبوا بالذخيرة الحية.
وقال الدكتور أحمد عبد البر، طبيب الطوارئ بمستشفى التأمين الصحي، وهو أقرب المستشفيات من اعتصام رابعة، قال لـ هيومن رايتس ووتش: إن المستشفى استقبل 400 حالة، بينها 30 جثة، بين الرابعة والثامنة من صباح 8 يوليو، وإن: "معظم الحالات هنا كانت ناتجة عن طلقات نارية بالبطن. ومعظمهم أصيبوا بالخرطوش أو الرصاص الحي". وقال طبيب طوارئ بنفس المستشفى، "قضيت أكثر من 20 عاماً بهذا المستشفى ولم أشهد هذا العدد من حالات الوفاة في يوم واحد من قبل".
وأضاف مدير مستشفى الدمرداش، المتخصص في الجراحة، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه في يوم 8 يوليو: استقبلنا 40 حالة من المصابين أمام الحرس الجمهوري. وكانت أول وفاة نستقبلها اليوم هي حالة فرج محمد محمد عبد الله، 35 سنة، الذي وصل إلى المستشفى ميتاً. وقد توفي نتيجة طلق ناري بالصدر. كانت جميع الحالات الواردة اليوم مصابة بطلقات حية، ومعظمها في النصف الأسفل من الجسم، لكن أحدهم كان مصاباً في الصدر أيضاً [علاوة على فرج]، وأربعة في العين وواحد في العنق.
ونقلت "هيومن رايتس ووتش" البيان الرسمي الذي نقله الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للاستعلامات التابعة للدولة، قال الجيش فيه إن "جماعة إرهابية مسلحة" حاولت اقتحام مقر الحرس الجمهوري في الساعات الأولى من صباح 8 يوليو و"هاجمت قوات الأمن". وقال الجيش إنه اعتقل 200 شخصاً على الأقل كان بحوزتهم "كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخائر وزجاجات المولوتوف". كما قال إنه أعاد فتح طريق صلاح سالم الذي كان المتظاهرون المؤيدون لمرسي قد أغلقوه لعدة أيام. وفي مؤتمر صحفي يوم 8 يوليو، دافع العقيد أحمد علي المتحدث باسم القوات المسلحة عن تصرفات الجيش بوصفها ضرورية لحماية مبنى الحرس الجمهوري، وأنكر ارتكاب أي خطأ من جانب الجيش، ولم يقل إن الجيش أمر بالتحقيق في وقائع القتل. وقال أيضًا: الجيش مستهدف بالحرب النفسية وحملة من الأكاذيب. الجيش المصري لا يقتل سوى أعدائه، وليس أبنائه. هذا جزء من الحرب النفسية التي يشنونها... كل البلدان تسمح للجنود بحماية المنشآت العسكرية.
في نفس اليوم، قال العقيد أحمد علي لوكالة "أسوشيتد برس": "أية قوة مفرطة؟ كنا نتعامل مع أناس يطلقون علينا الذخيرة الحية. كانت تعد مفرطة لو قتلنا 300".
وأشارت المنظمة إلى أن محامين من "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والتنمية البشرية" حصلوا على نسخة من محضر شرطة بتاريخ 8 يوليو وبرقم 9134/2013، من الإدارة العامة لمباحث القاهرة، ويقرر المحضر: أُخطرت الخدمات الأمنية بقيام مجموعة من المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم بمهاجمة المقر وإطلاق الأعيرة النارية [رصاص ـ خرطوش] ورشق المقر بالحجارة واعتلاء أسطح المباني والعقارات المجاورة وإلقاء بعض المخلفات الصلبة من أعلاها تجاه مقر الحرس الجمهوري... وعلى إثر ذلك قامت عناصر القوات المسلحة القائمة على تأمين المقر بإطلاق أعيرة الصوت (فشنك) وكذا قامت قوات الأمن المركزي بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعات القائمة بذلك.
وذكرت هيومن رايتس ووتش، أن النيابة وصلت إلى مسرح الأحداث بعد مضي 4 ساعات على الأقل من بدء إطلاق النيران، وقال الشهود إن النيابة، بقدر علمهم، لم تستجوب أي شهود أو أقارب فيما يتعلق بالوفيات الـ51. قال اثنان من محاميي الإخوان المسلمين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم بدأوا في الاتصال بالنيابة في العاشرة صباحاً كي تحضر إلى مسرح الواقعة، لكنهم ظهروا الساعة 1:30 مساءً. وصل أعضاء النيابة إلى مستشفى التأمين الصحي الساعة 1:30 مساءً وقالوا لأفراد هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت إنهم يبدأون التحقيق لتوهم ولن يزوروا إلا المستشفيات الرسمية وليس المستشفى الميداني غير الرسمي عند الاعتصام. لا يحقق أعضاء النيابة إلا مع أعضاء الإخوان المسلمين، لدورهم المزعوم في إلقاء الحجارة على عناصر الجيش ووفاة الشرطيين والضابط العسكري. قال محامو الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش إن أعضاء النيابة لم يستدعوا أي ضباط شرطة ولا حاولوا استدعاء أي ضابط جيش للتحقيق في دورهم المحتمل في وقائع القتل.
وذكرت أن قوات الجيش والشرطة اعتقلت 625 متظاهراً من الاعتصام وعرضتهم على العديد من مكاتب النيابة. استجوبهم وكلاء النيابة وأفرجوا عن 446 منهم بكفالة قدرها 2000 جنيها مصرياً لكل منهم، وأمر أعضاء النيابة باحتجاز 206 آخرين لمدة 15 يوماً بتهم: التجمع المخالف للنظام العام والسلامة العامة؛ وحيازة واستخدام أسلحة نارية وأسلحة بيضاء في ظروف تخالف ما يصرح به القانون؛ والبلطجة؛ وتخريب ممتلكات عامة وخاصة؛ والاعتداء على منشآت عسكرية؛ ومهاجمة أفراد القوات المسلحة؛ والقتل والشروع في القتل؛ وإصابة مدنيين وعسكريين.
ومضت المنظمة تقول: في عصر 8 يوليو، أمر الرئيس المؤقت منصور بتشكيل "لجنة قضائية لتقصي الحقائق" وأبدى الأسف على وفاة مصريين "في محاولة اقتحام مقر الحرس الجمهوري". لم تذع السلطات أية معلومات عن تشكيل اللجنة أو صلاحياتها. ولعل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة هذه اللجنة على إجراء تحقيق جاد سيتمثل في تمتعها من عدمه بسلطة استدعاء ضباط عسكريين، وهي السلطة التي لا يمكن منحها إلا بإعلان دستوري تكميلي يصدره الرئيس، المتمتع وحده حالياً بسلطة التشريع، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وتابعت: كما في دستور 2012 الذي تم تمريره في عهد الرئيس السابق مرسي، يمنح الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المؤقت في 8 يوليو، لنظام القضاء العسكري وحده الاختصاص بالجرائم التي تمس أفراداً عسكريين. وقد أخفق نظام القضاء العسكري في مصر على مدار سنوات في التحقيق الفعال وملاحقة القضايا المنطوية على انتهاكات عسكرية، مثل الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والضرب والعنف بحق النساء. ولم يحقق الجيش في الوقائع التي تمكنت مقاطع الفيديو فيها من تصوير عناصر الشرطة العسكرية وهي تعتدي بالضرب على سيدات وترك لهن في 16 ديسمبر 2011، بما فيهن سيدة محجبة كانت ترقد على الأرض وقد تعرى جذعها بينما يضربها ويركلها ستة من أفراد الشرطة العسكرية. ولم يجر التحقيق في تعذيب المتظاهرين في مارس 2011في وسط القاهرة بمنطقة لاظوغلي، أو في مايو 2012 في العباسية.
كانت الحالات الوحيدة التي حقق فيها نظام القضاء العسكري في انتهاكات حقوق المدنيين هي حالات الاعتداء الجنسي على المتظاهرات في مارس 2012 في سجن عسكري تحت ستار ما يسمى بـ"كشوف العذرية"، وقتل 27 متظاهراً على يد الجيش أمام مبنى ماسبيرو في أكتوبر 2011. ولم يتطرق أي من المحققين إلى مسؤولية كبار القادة؛ ففي قضية ماسبيرو رفضت النيابة التحقيق في دور الجيش في إطلاق النار على المتظاهرين بل ركزت فقط على دور الجنود من الرتب الدنيا في سحق المتظاهرين بالمركبات العسكرية.
وتبرز التحقيقات والمحاكمات التي تمت في القضيتين الإخفاق المستمر لنظام القضاء العسكري في التحقيق مع المسؤولين من المستويات العليا، حتى في وجود أدلة قوية على جرائم خطيرة، بحسب هيومن رايتس ووتش. ولا يثير هذا دهشة تذكر، لأن نظام القضاء العسكري، بقضاته ونيابته، غير مستقل عن الأشخاص الذين يفترض أن يحقق معهم، ويبقى خاضعاً لتسلسل القيادة نفسه.
وأضافت المنظمة، أنه في 11 مارس 2012، حكمت محكمة عسكرية بتبرئة الضابط العسكري الوحيد الذي تم اتهامه في واقعة "كشوف العذرية" في مارس 2011. لم يقم ممثل النيابة العسكرية باستدعاء أي شهود يمثلون الادعاء لبيان التهم التي أحيلت القضية إلى المحكمة بموجبها، ولا طعن في شهادات شهود الدفاع التي كانت تنطوي على تناقضات ظاهرية. ورغم تصريحات واضحة من قادة عسكريين رفيعي المستوى تعترف بحدوث الواقعة، إلا أن المحاكمة لم تفحص هوية من أمر بالكشوف أو تحدد رتبته.
وأشارت إلى أن مبادئ الأمم المتحدة لسنة 1989 المتعلقة بالمنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة، تتكفل بتوفير خطوط إرشادية حول معايير التحقيق الفعال، فينص المبدأ التاسع على أن: الغرض من التحقيق هو تحديد سبب الوفاة وأسلوبها وتوقيتها، والشخص المسؤول، وأي نمط أو ممارسة يمكن أن تكون قد تسببت في الوفاة. ويجب أن يشمل صفة تشريحية وافية، وجمع وتحليل كافة الأدلة المادية والتوثيقية، وأقوال الشهود.
وأضافت أن المبدأ الحادي عشر ينص على أنه: في الحالات التي لا تكفي فيها إجراءات التحقيق المتبعة، بسبب نقص الخبرة أو الحيدة، أو بسبب أهمية المسألة أو بسبب وجود نمط ظاهري من الانتهاكات، وفي الحالات التي يوجد بها شكاوى من عائلة الضحية تتعلق بأوجه النقص هذه أو غيرها من الأسباب الجوهرية، يتعين على الحكومات متابعة التحقيق من خلال هيئة مستقلة لتقصي الحقائق أو ما شابه ذلك من إجراءات. ويتم اختيار أعضاء تلك الهيئة لحيدتهم المعترف بها، وكفاءتهم واستقلالهم كأفراد. وينبغي بوجه خاص أن يستقلوا عن أية مؤسسة أو وكالة أو شخص يمكن أن يخضع للتحقيق. وتتمتع الهيئة بسلطة الحصول على كافة المعلومات الضرورية للتحقيق، وعليها إجراء التحقيق كما تنص عليه هذه المبادئ.
وشددت على أنه ينبغي أن تتم التحقيقات على يد القضاء المدني، المستقل على الصعيدين المؤسساتي والعملي عن تسلسل القيادة العسكري، حسب تعبيرها.
وقالت المنظمة، في بيان لها، إن شهود تتابع الأحداث التي وقعت يوم 8 يوليو، وصفوا استخدم الجيش والشرطة للقوة بغير الضروري، مما أدى إلى وفاة 51 متظاهراً. لافتة إلى أن النيابة حققت مع مؤيدي جماعة الإخوان وقادتهم فحسب، لدورهم المفترض في الاشتباكات، ولكنها لم تحقق مع قوات الجيش والشرطة.
من جانبه، قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتمتع الجيش بسجل معروف من اللجوء السريع والمفرط إلى القوة المميتة لتفريق المتظاهرين.. وقد وصف شاهد بعد شاهد كيف أطلق الجيش النار على الحشود، بمن فيهم العزل"، مطالبًا "الحكومة بأن تتوصل إلى المسؤول وأن تضمن محاسبته، إذا كانت ترجو إظهار احترامها للحقوق الأساسية في هذه الفترة الانتقالية"، حسب قوله.
وأضافت المنظمة، أنه في 8 يوليو تحركت قوات الجيش والشرطة قبل الفجر مباشرة لتفريق اعتصام لمؤيدي الإخوان المسلمين، واندلع العنف على مدار الساعات الست التالية، فقام ضباط عسكريون، بينهم جنود متمركزون فوق أسطح المباني العسكرية، بإطلاق الذخيرة الحية، التي قتلت وجرحت المتظاهرين في حالات كثيرة. وألقى المتظاهرون بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وأطلقوا الأعيرة النارية في بعض الحالات. عند انتهاء الصباح كان 51 متظاهراً، و3 من أفراد قوات الأمن، واثنان من ضباط الشرطة، وفرد عسكري واحد قد لقوا حتفهم، بحسب وزارتي الصحة والدفاع.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنها لم تجد أدلة على حدوث ما قاله الناطق باسم القوات المسلحة، العقيد أحمد علي، من ان المتظاهرين حاولوا اقتحام مبنى الحرس الجمهوري. كما أن الجيش لم يكشف عن أية أدلة تؤيد قوله، بل اكتشفت أن المتظاهرين كانوا يصلّون أو يتجمعون سلمياً وقت تحرك الجيش والشرطة لفض الاعتصام.
وكان أعضاء الإخوان المسلمين ومؤيدوهم قد تجمعوا أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم بدءاً من 5 يوليو، وتزايدت أعدادهم بعد دعوة الجماعة إلى الاعتصام هناك في 7 يوليو.
وتحدثت "هيومن رايتس ووتش" مع 24 شاهداً، بينهم متظاهرين وبعض سكان المنطقة، وأجرت مقابلات مع سبعة أطباء. كما زارت موقع الحادث، وأربعة مستشفيات نقل إليها القتلى والمصابين، وكذلك المشرحة، وراجعت مقاطع فيديو حصلت عليها من متظاهرين ومن منافذ إخبارية تعتبرها "هيومن رايتس ووتش" ذات مصداقية. وقد اتفق جميع الذين أجريت معهم المقابلات ممن شهدوا بدء أحداث العنف، كما أوحت مقاطع الفيديو أيضاً، على تحرك قوات الجيش وقوات الأمن المركزي، قبيل فجر 8 يوليو، لفض الاعتصام، بالزحف على المتظاهرين بالتزامن من أمام مبنى الحرس الجمهوري عند طرف الشارع، ومن أمام مسجد المصطفى عند طرفه الآخر، حسب قولها.
وذكرت أيضًا، أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع وطلقات فارغة في الهواء، وزحفت على المتظاهرين من جانبين، على الأقدام وكذلك بأكثر من 12 عربة مدرعة. تراجع المتظاهرون وتفرقوا في الشوارع الجانبية. وعلى مدار الساعات القليلة التالية، حسبما قال الشهود، رد كثير من المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف بينما أطلقت قوات الجيش الذخيرة الحية وأطلق الأمن المركزي الخرطوش على الحشود، التي كان عددها في تلك اللحظة يقدر بالآلاف. وأكد شهود، وكذلك مقاطع الفيديو التي شاهدتها "هيومن رايتس ووتش"، أن قلة من مؤيدي الإخوان المسلمين على الأقل كانت تحمل البنادق، وأطلق هؤلاء طلقات حية وخرطوش. قام الجنود المتمركزون على الأسطح المجاورة، وكذلك الضباط المتمركزون في أماكن أخرى، بإطلاق النار على عدد من المتظاهرين أو المارة. لم تتضح من مقاطع الفيديو هوية الطرف الذي بدأ بإطلاق الذخيرة الحية.
وأشارت إلى أنه في رد على وقائع القتل، أمر الرئيس منصور، بتحقيق تجريه "هيئة قضائية" مدنية، لكن السلطات لم تقدم معلومات أخرى عن تشكيلها أو سلطاتها. والإعلان الدستوري الذي كشف عنه منصور يوم 8 يوليو يمنح القضاء العسكري اختصاصاً حصرياً في الجرائم التي تمس الأفراد العسكريين، مما يعني عجز تلك الهيئة المدنية عن التحقيق مع ضباط الجيش المحتمل تورطهم في العنف ومحاكمتهم.
وطالبت المنظمة من الرئيس منصور، أن يصدر إعلاناً آخر يخول المحاكم المدنية المستقلة سلطة التحقيق مع الأفراد العسكريين في حالة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يكون ضحاياها من المدنيين، من أجل التعامل مع هذه الواقعة وغيرها، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقال جو ستورك، "لقد شهدنا مراراً وتكراراً كيف يعجز نظام القضاء العسكري في مصر عن التحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بأي قدر من الحياد، حيث يظل أعضاء النيابة والقضاء العسكريين خاضعين لتسلسل القيادة الذي يخضع له من يحققون معهم، مما يجعل الاستقلال والحيدة مستحيلين".
وأشارت المنظمة إلى أن النيابة أعلنت فقط عن تحقيقها مع 206 من مؤيدي الإخوان المسلمين الذين تم اعتقالهم من مسرح الأحداث وما زالوا قيد الاحتجاز. كما أصدرت النيابة أوامر ضبط وإحضار بحق عشرة من قادة الإخوان المسلمين، بينهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، بتهمة التحريض على العنف فيما يتعلق بالواقعة. لم يتم الإعلان عن تحقيق مع أفراد الجيش أو الشرطة حتى تاريخه، رغم أن الأغلبية الساحقة من القتلى كانت في صفوف المتظاهرين.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن تحديد الحالات المشروعة لإطلاق النار المؤدي إلى القتل على وجه الدقة هو أمر مستحيل - والمقصود هنا تلك الوقائع التي كان قتلاها مسلحين ويطلقون النار على قوات الأمن- لكن ما يتضح من حصيلة القتلى والأدلة المستمدة من الشهود هو أن الجيش رد بقوة مميتة تتجاوز بكثير أي تهديد ظاهري تعرضت له حياة الأفراد العسكريين، مشددة على أنه ينبغي التحقيق في كافة الوفيات -وفيات المتظاهرين والمارة وأفراد الأمن- وملاحقة المسؤولين عن الاستخدام غير المشروع للقوة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وأضاف جو ستورك: "تعد هذه هي الواقعة الأكثر دموية التي شهدتها مصر منذ الانتفاضة ضد مبارك، وهي تأتي في لحظة من الاستقطاب السياسي الحاد. ويتعين على الرئيس منصور إصدار إعلان دستوري يمنح القضاء المدني المستقل سلطة فحص مسؤولية الجيش والشرطة على كافة مستويات القيادة، وكذلك مسؤولية المتظاهرين، وإصدار لوائح اتهام جنائية بحق من تثبت مسؤوليتهم عن استخدام العنف والقوة المفرطة أو غير المشروعة من أوجه أخرى".
وتابعت المنظمة: "تدل أقوال الشهود على أن قوات الأمن بدأت في الزحف على المتظاهرين في نحو الساعة 3:20 صباحاً. ويبدو أن المتظاهرين قد شعروا بتحرك قوات الأمن عند طرف الشارع القريب من مسجد المصطفى أكثر. قال أحمد حسين، الذي يسكن أحد الطوابق العليا من عمارة العبور رقم 9 المطلة على المسجد، لـ هيومن رايتس ووتش: سمعت جلبة الطرق على المعادن تصدر من أسفل، وكانت تمثل نداء التجمع أثناء الثورة عند ظهور خطر، فخرجت إلى الشرفة، وكان مئات من أعضاء الإخوان قد انتهوا لتوهم من الصلاة ويخرجون من المسجد حين رأيت الجيش والأمن المركزي يقتربون منهم. وكنت أرى أنهم لم يكونوا يتوقعون هذا لأنهم سارعوا إلى تكسير الحجارة على عجل. كان هناك نحو 12 حاملة أفراد عسكرية وسيارتان أمن مركزي. وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الإخوان".
وأضاف حسين، أن إطلاق النيران الكثيف، بما فيه الأسلحة الآلية، بدأ في نحو الساعة 3:53 صباحاً، وأن معظم الطلقات صدرت من ناحية الجيش، لكنه سمع بعضها يصدر من اتجاه المتظاهرين أيضًا.
وقد تأكدت أقواله بأقوال أحد متظاهري الإخوان، وهو حازم ممدوح، الذي قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة بدأت في التحرك حوالي الساعة 3:20 صباحاً، قبل انتهاء صلاة الفجر، التي صلاها في ذلك الصباح في مسجد المصطفى: سمعنا المتظاهرين الذين يحرسون الاعتصام يطرقون المعدن بالحجارة، وهي دائماً علامة تحذير. ورأينا ما يشبه شاحنات الشرطة ـ كان الظلام ما زال سائداً فلم أتبين تماماً ـ تأتي من صلاح سالم في اتجاه مقر الحرس الجمهوري، وفجأة ملأ الغاز المسيل للدموع المكان. وعلى الفور سمعنا صوت الأسلحة الآلية العالي. جريت نحو مقر الحرس الجمهوري للاختباء في الشارع الجانبي. لم نكن مستعدين على الإطلاق"، بحسب المنظمة.
وقال حسام القاضي، وهو أحد سكان عمارة العبور رقم 10 المواجهة للمسجد على الجهة الأخرى من الشارع، إنه استيقظ في الرابعة صباحاً على صوت إطلاق البنادق الآلية وعبوات الغاز المسيل للدموع. "من نافذتي رأيت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع وخلفهم مباشرة كان الجيش يقف ويطلق النار في الهواء، لأنهم لو استهدفوا مؤيدي الإخوان المسلمين لأصابوا الشرطة بالطبع، لكنهم لم يفعلوا، بل أطلقوا النار في الهواء. كان إمام المسجد يستغيث... رأيت أناساً يجرون نحو المسجد وليس في الاتجاه العكسي"، على حد تعبيره.
وأضاف محسن سودان ، 43 سنة وأحد مؤيدي الإخوان المسلمين من كفر الشيخ، لـ هيومن رايتس ووتش: لم يكن هناك أي مؤشر على وقوع مشاكل في الليلة السابقة. كنا نشكر قائد الحرس الجمهوري على سلوكه وحسن معاملته لنا. كنا بالآلاف ـ ولم نتوقع حدوث هذا، وعند الفجر كنا ننتهي من الصلاة. سمعنا صوت الطلقات فتعجل الإمام في إنهاء الصلاة. ثم صدر صوت الطلقات من الجهة اليسرى من اتجاه مسجد المصطفى. وبعد 15 أو ربما 20 دقيقة بدأ الناس يسقطون. جريت عائداً، بعيداً عن مقر الحرس الجمهوري. كان هناك قناصة فوق أحد المباني العسكرية. كنت في منتصف الطريق المؤدي إلى مقر الحرس الجمهوري ورأيت شابين يصوران من شرفتهما. أطلق القناصة النار عليهما. وواصلوا إطلاق النار حتى الساعة 10:30 صباحًا".
كما قالت إحدى سكان البناية المطلة على الحرس الجمهوري لـ هيومن رايتس ووتش، إنها شاهدت إطلاق الغاز المسيل للدموع على مدار عدة ساعات، وإن الجيش كان يفض الاعتصام. وقال كرم محمود، وهو مشارك في الاعتصام من بني سويف عمره 29 عاماً، إنه سمع بعد صلاة الفجر صوت إطلاق الغاز المسيل للدموع فذهب في اتجاهه: في البداية سمعنا صوت الطرق على أعمدة الإنارة. ثم رأينا الحرس الجمهوري يأتي من يسار المبنى. كانوا يطلقون الخرطوش، ثم جاءت قوات الأمن من اليسار ومن اليمين. كان الغاز شديد الكثافة، فتراجعنا، وفور اقترابهم منا أطلقوا علينا الخرطوش. كان المشهد مروعاً: نيران كثيفة ومستمرة. كان هذا أمام مبنى وزارة التخطيط. وكنت مصاباً بالخرطوش، فذهبت إلى المستشفى الميداني"، على حد زعمه.
وكذلك قال محمد حسن، أحد مؤيدي الإخوان المسلمين: كنا نصلي حين بدأ المتظاهرون المسؤولون عن تأمين الاعتصام في الاستغاثة. ذهب البعض لرؤية ما يحدث وواصل آخرون الصلاة. ذهبنا إلى الحاجز الذي كنا قد أقمناه وفوجئنا برؤية الجيش أمامنا وجهاً لوجه، والشرطة على الجهة الأخرى من الشارع.
هذا، وقد تحدثت هيومن رايتس ووتش، مع محمد شحاتة، وهو سائق كان يقف لحراسة السيارات أمام بناية سكنية تجاور مقر الحرس الجمهوري، وقال إن الجيش أطلق تحذيرات بمكبرات الصوت. وبعد ذلك، حسب قوله، "أطلق الجيش عليهم الغاز المسيل للدموع ورد الإخوان المسلمون بإلقاء الحجارة". قال شحاتة إنه لم يشهد أي استخدام للذخيرة الحية عند تلك النقطة.
وأضافت، أنه على مدار الساعات الست التالية، حسب أقوال الشهود، أطلقت قوات الجيش الذخيرة الحية وأطلق الأمن المركزي الغاز المسيل للدموع والخرطوش، بينما ألقى المتظاهرون الحجارة وزجاجات المولوتوف، وأطلقوا في بعض الحالات رصاص البنادق رداً على قوات الأمن. وتؤيد مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش، والمقاطع المأخوذة من هواتف الشهود الخلوية، هذه الأقوال، وتُظهر جنود الجيش المتمركزين فوق الأسطح ببنادق آلية يطلقون النار على الحشود. أظهرت مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش ثلاثة من مؤيدي الإخوان المسلمين يطلقون النار من بنادق.
وقال محمد محمود، أحد سكان عمارة العبور رقم 4، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الضوضاء ورائحة الغاز المسيل للدموع أيقظته. وقال إنه شاهد أحد مؤيدي الإخوان المسلمين يطلق الخرطوش على قوات الأمن.
من جانبه، قال حسام القاضي، الذي يسكن عمارة العبور رقم 10، على الجهة المقابلة لمسجد المصطفى، إنه شاهد مؤيدي الإخوان المسلمين يلقون الحجارة على الجيش، وشاهد "شخصا واحداً على الأقل وسط المتظاهرين يطلق الخرطوش. رأيت الشرارة".
وفي واقعتين على الأقل راجعتهما هيومن رايتس ووتش، يبدو أن نيران قوات الأمن قد قتلت متظاهرين عزلاً وسلميين. في أحد مقاطع الفيديو التي شاهدتها هيومن رايتس ووتش، ويبدو أنها حقيقية، تقف مجموعة من الرجال للتفرج على الاشتباكات من مبعدة دون أن يبدو عليها المشاركة فيها، وفجأة يسقط رجل منهم على اليسار أرضاً. وبينما يرفع الآخرون جثته، التي يبدو أن الحياة قد فارقتها، يتسرب الدم من ظهر قميصه. وفي واقعة أخرى قتل المصور الصحفي أحمد عاصم، 26 سنة، على يد جندي متمركز لإطلاق النار، أثناء تصويره الأحداث. في المقطع المنشور على الإنترنت، يقوم عاصم بتصوير جندي على سطح مبنى وزارة الدفاع يطلق النيران في اتجاه آخر، ثم يلتفت ويطلقها على المصور مباشرة.
وقال أشرف سيد، وهو متظاهر جريح، تحدثت هيومن رايتس ووتش إليه في المستشفى، إن قوات الأمن أطلقت عليه النار رغم أنه لم يكن يحمل سلاحًا: كان هناك صفان من الجيش والشرطة. أطلق عليّ ذوو الزي الأسود [قوات الأمن المركزي] الخرطوش. ولم يكن في يدي شيء. وقال أربعة متظاهرين آخرين على الأقل أجريت معهم مقابلات إنهم كانوا عزلاً وجرحتهم طلقات البنادق، وكان هذا في بعض الحالات أثناء انسحابهم من الاشتباكات.
كما قال وائل بدر إنه سمع قبيل الرابعة صباحاً أن الاعتصام يتعرض للهجوم فهرع مع آخرين من اعتصام مسجد رابعة العدوية، وهو موقع المظاهرة الرئيسية للإخوان المسلمين، على مسيرة 15 دقيقة من شارع صلاح سالم، فوجد أن هناك إطلاقاً مستمراً للنيران: كان لديهم [قوات الأمن] قناصة على الأسطح. وكان يجري إطلاق الغاز المسيل للدموع وكنا نرى بالكاد، وإطلاق النار متواصل. انحنيت لتفادي الغاز المسيل للدموع في لحظة معينة والحمد لله على نهوضي لأن الرصاصة اخترقت ساقي في تلك اللحظة وما زالت هناك. لم يتم استخراجها.
وتضيف المنظمة، أن محمد حسن، أحد مؤيدي الإخوان المسلمين، قال: كانت هناك عربتان مدرعتان تطلقان الكثير من الغاز المسيل للدموع فلم نكن نرى جيداً. وعند تلك اللحظة بدأ الجيش يطلق الذخيرة الحية. رأيت شخصين يصابان في الرأس وكانا يقفان أمامي عند الحاجز. بدأنا ننسحب حين فوجئنا برؤية عشرات الأشخاص جرحى على الأرض. لا نعرف أين أصيبوا. واصلنا الانسحاب. أصيب أحد أصدقائي برصاصة في ساقه. وحين ذهبت لرفعه أصبت [بالخرطوش] في صدري.
وأضاف أحمد صلاح، الصيدلي وعضو الإخوان المسلمين: كنت في مسجد رابعة حين سمعت بتعرض الاعتصام للهجوم فهرعت من شارع الطيران وخرجت في موضع النفق. كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع دون توقف. كانت هناك عربة مدرعة كبيرة تتقدم وتتراجع. كانوا يطلقون الخرطوش على الأرض أمامنا. كنت أقف وحدي على الرصيف أمام فندق سونستا وأحاول أن أقرر أي الطرق سأتخذ حين أصبت فجأة في أسفل سمانة ساقي اليسرى.
في أحد مقاطع الفيديو الملتقطة في ذلك الصباح، يقوم المتظاهرون على دراجات نارية بحمل عشرة جرحى على الأقل من شارع الطيران على مدار فترة طولها 7 دقائق، بينما يُسمع صوت طلقات عادية، وإن لم يكن صوت الأسلحة الآلية المتواصل. ويبدو على كثيرين أنهم أصيبوا بالرصاص وليس الخرطوش، كما تبدو إصابة شخصين في الرأس، وشخصين في الصدر، وشخصين في البطن.
ونقلت المنظمة ما قاله حازم ممدوح، متظاهر الإخوان المسلمين، إنه كان قد صلى في مسجد المصطفى: رأينا عدداً من شاحنات الشرطة وحاملات الأفراد العسكرية المدرعة على السواء، وكذلك مجندي الأمن المركزي وهم يحملون الدروع البلاستيكية. بصراحة، بدأنا نلقي عليهم الحجارة في تلك اللحظة. كانوا شديدي التنظيم. بدأوا يطلقون الغاز المسيل للدموع والخرطوش وكل شيء. قرب فندق سونستا بدأ البعض يقيمون سوراً معدنياً مما طالته أيديهم في المنطقة لحماية الجميع. وكنا نلقي الحجارة أيضاً. تسلق شخصان إحدى عمارات العبور، عمارة عالية، وكانوا يلقون بزجاجات المولوتوف، شخصان وليس عدداً كبيرًا. وأضاف أن قوات الأمن بدأت تزحف علينا من شارع الطيران، وعندها أيضاً لاحظت وجود قناصة فوق المبنى المواجه للمبنى الذي شبت فيه النار. بل إنني رأيت مصوراً يقف بالكاميرا لمدة حوالي دقيقتين دون أن يختبئ، مما يثبت أننا لم نكن مسلحين وإلا لحاول حماية نفسه. احتميت، لكنني كنت أرى جثث الناس على الأرض أينما أدرت وجهي لرؤية ما يحدث.
كما قال أحمد السيد، أحد متظاهري الإخوان البالغ من العمر 21 سنة: كانت الساعة حوالي 4:45 صباحاً، وكنا نجري من شارع الطيران إلى شارع محمد طلعت، وكانوا يطلقون الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والخرطوش. لم أصب إلا في أنفي، بفضل الخوذة التي كنت أرتديها. كان الشباب يردون بالألعاب النارية والشماريخ وبإلقاء الحجارة. وبحلول الساعة 7 صباحاً كان القناصة يستهدفون الناس عمداً. حملت سبع جثث وكلهم مصابون في النصف العلوي من الجسم. وكان آخر شخص حملته مصاباً في رأسه، على حد قوله.
وقال السيد لـ هيومن رايتس ووتش إن صديقه عمار حسن، من الأقصر، أصيب في عنقه: "رأيت جثته وهم يخرجونها من عربة الإسعاف ورأيت جرح الطلق الناري على الجانب الأيسر من عنقه".
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن التقارير المبدئية لمصلحة الطب الشرعي الرسمية، تؤكد أن كافة القتلى أصيبوا بالذخيرة الحية.
وقال الدكتور أحمد عبد البر، طبيب الطوارئ بمستشفى التأمين الصحي، وهو أقرب المستشفيات من اعتصام رابعة، قال لـ هيومن رايتس ووتش: إن المستشفى استقبل 400 حالة، بينها 30 جثة، بين الرابعة والثامنة من صباح 8 يوليو، وإن: "معظم الحالات هنا كانت ناتجة عن طلقات نارية بالبطن. ومعظمهم أصيبوا بالخرطوش أو الرصاص الحي". وقال طبيب طوارئ بنفس المستشفى، "قضيت أكثر من 20 عاماً بهذا المستشفى ولم أشهد هذا العدد من حالات الوفاة في يوم واحد من قبل".
وأضاف مدير مستشفى الدمرداش، المتخصص في الجراحة، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه في يوم 8 يوليو: استقبلنا 40 حالة من المصابين أمام الحرس الجمهوري. وكانت أول وفاة نستقبلها اليوم هي حالة فرج محمد محمد عبد الله، 35 سنة، الذي وصل إلى المستشفى ميتاً. وقد توفي نتيجة طلق ناري بالصدر. كانت جميع الحالات الواردة اليوم مصابة بطلقات حية، ومعظمها في النصف الأسفل من الجسم، لكن أحدهم كان مصاباً في الصدر أيضاً [علاوة على فرج]، وأربعة في العين وواحد في العنق.
ونقلت "هيومن رايتس ووتش" البيان الرسمي الذي نقله الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للاستعلامات التابعة للدولة، قال الجيش فيه إن "جماعة إرهابية مسلحة" حاولت اقتحام مقر الحرس الجمهوري في الساعات الأولى من صباح 8 يوليو و"هاجمت قوات الأمن". وقال الجيش إنه اعتقل 200 شخصاً على الأقل كان بحوزتهم "كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخائر وزجاجات المولوتوف". كما قال إنه أعاد فتح طريق صلاح سالم الذي كان المتظاهرون المؤيدون لمرسي قد أغلقوه لعدة أيام. وفي مؤتمر صحفي يوم 8 يوليو، دافع العقيد أحمد علي المتحدث باسم القوات المسلحة عن تصرفات الجيش بوصفها ضرورية لحماية مبنى الحرس الجمهوري، وأنكر ارتكاب أي خطأ من جانب الجيش، ولم يقل إن الجيش أمر بالتحقيق في وقائع القتل. وقال أيضًا: الجيش مستهدف بالحرب النفسية وحملة من الأكاذيب. الجيش المصري لا يقتل سوى أعدائه، وليس أبنائه. هذا جزء من الحرب النفسية التي يشنونها... كل البلدان تسمح للجنود بحماية المنشآت العسكرية.
في نفس اليوم، قال العقيد أحمد علي لوكالة "أسوشيتد برس": "أية قوة مفرطة؟ كنا نتعامل مع أناس يطلقون علينا الذخيرة الحية. كانت تعد مفرطة لو قتلنا 300".
وأشارت المنظمة إلى أن محامين من "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والتنمية البشرية" حصلوا على نسخة من محضر شرطة بتاريخ 8 يوليو وبرقم 9134/2013، من الإدارة العامة لمباحث القاهرة، ويقرر المحضر: أُخطرت الخدمات الأمنية بقيام مجموعة من المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم بمهاجمة المقر وإطلاق الأعيرة النارية [رصاص ـ خرطوش] ورشق المقر بالحجارة واعتلاء أسطح المباني والعقارات المجاورة وإلقاء بعض المخلفات الصلبة من أعلاها تجاه مقر الحرس الجمهوري... وعلى إثر ذلك قامت عناصر القوات المسلحة القائمة على تأمين المقر بإطلاق أعيرة الصوت (فشنك) وكذا قامت قوات الأمن المركزي بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعات القائمة بذلك.
وذكرت هيومن رايتس ووتش، أن النيابة وصلت إلى مسرح الأحداث بعد مضي 4 ساعات على الأقل من بدء إطلاق النيران، وقال الشهود إن النيابة، بقدر علمهم، لم تستجوب أي شهود أو أقارب فيما يتعلق بالوفيات الـ51. قال اثنان من محاميي الإخوان المسلمين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم بدأوا في الاتصال بالنيابة في العاشرة صباحاً كي تحضر إلى مسرح الواقعة، لكنهم ظهروا الساعة 1:30 مساءً. وصل أعضاء النيابة إلى مستشفى التأمين الصحي الساعة 1:30 مساءً وقالوا لأفراد هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت إنهم يبدأون التحقيق لتوهم ولن يزوروا إلا المستشفيات الرسمية وليس المستشفى الميداني غير الرسمي عند الاعتصام. لا يحقق أعضاء النيابة إلا مع أعضاء الإخوان المسلمين، لدورهم المزعوم في إلقاء الحجارة على عناصر الجيش ووفاة الشرطيين والضابط العسكري. قال محامو الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش إن أعضاء النيابة لم يستدعوا أي ضباط شرطة ولا حاولوا استدعاء أي ضابط جيش للتحقيق في دورهم المحتمل في وقائع القتل.
وذكرت أن قوات الجيش والشرطة اعتقلت 625 متظاهراً من الاعتصام وعرضتهم على العديد من مكاتب النيابة. استجوبهم وكلاء النيابة وأفرجوا عن 446 منهم بكفالة قدرها 2000 جنيها مصرياً لكل منهم، وأمر أعضاء النيابة باحتجاز 206 آخرين لمدة 15 يوماً بتهم: التجمع المخالف للنظام العام والسلامة العامة؛ وحيازة واستخدام أسلحة نارية وأسلحة بيضاء في ظروف تخالف ما يصرح به القانون؛ والبلطجة؛ وتخريب ممتلكات عامة وخاصة؛ والاعتداء على منشآت عسكرية؛ ومهاجمة أفراد القوات المسلحة؛ والقتل والشروع في القتل؛ وإصابة مدنيين وعسكريين.
ومضت المنظمة تقول: في عصر 8 يوليو، أمر الرئيس المؤقت منصور بتشكيل "لجنة قضائية لتقصي الحقائق" وأبدى الأسف على وفاة مصريين "في محاولة اقتحام مقر الحرس الجمهوري". لم تذع السلطات أية معلومات عن تشكيل اللجنة أو صلاحياتها. ولعل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة هذه اللجنة على إجراء تحقيق جاد سيتمثل في تمتعها من عدمه بسلطة استدعاء ضباط عسكريين، وهي السلطة التي لا يمكن منحها إلا بإعلان دستوري تكميلي يصدره الرئيس، المتمتع وحده حالياً بسلطة التشريع، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وتابعت: كما في دستور 2012 الذي تم تمريره في عهد الرئيس السابق مرسي، يمنح الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المؤقت في 8 يوليو، لنظام القضاء العسكري وحده الاختصاص بالجرائم التي تمس أفراداً عسكريين. وقد أخفق نظام القضاء العسكري في مصر على مدار سنوات في التحقيق الفعال وملاحقة القضايا المنطوية على انتهاكات عسكرية، مثل الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والضرب والعنف بحق النساء. ولم يحقق الجيش في الوقائع التي تمكنت مقاطع الفيديو فيها من تصوير عناصر الشرطة العسكرية وهي تعتدي بالضرب على سيدات وترك لهن في 16 ديسمبر 2011، بما فيهن سيدة محجبة كانت ترقد على الأرض وقد تعرى جذعها بينما يضربها ويركلها ستة من أفراد الشرطة العسكرية. ولم يجر التحقيق في تعذيب المتظاهرين في مارس 2011في وسط القاهرة بمنطقة لاظوغلي، أو في مايو 2012 في العباسية.
كانت الحالات الوحيدة التي حقق فيها نظام القضاء العسكري في انتهاكات حقوق المدنيين هي حالات الاعتداء الجنسي على المتظاهرات في مارس 2012 في سجن عسكري تحت ستار ما يسمى بـ"كشوف العذرية"، وقتل 27 متظاهراً على يد الجيش أمام مبنى ماسبيرو في أكتوبر 2011. ولم يتطرق أي من المحققين إلى مسؤولية كبار القادة؛ ففي قضية ماسبيرو رفضت النيابة التحقيق في دور الجيش في إطلاق النار على المتظاهرين بل ركزت فقط على دور الجنود من الرتب الدنيا في سحق المتظاهرين بالمركبات العسكرية.
وتبرز التحقيقات والمحاكمات التي تمت في القضيتين الإخفاق المستمر لنظام القضاء العسكري في التحقيق مع المسؤولين من المستويات العليا، حتى في وجود أدلة قوية على جرائم خطيرة، بحسب هيومن رايتس ووتش. ولا يثير هذا دهشة تذكر، لأن نظام القضاء العسكري، بقضاته ونيابته، غير مستقل عن الأشخاص الذين يفترض أن يحقق معهم، ويبقى خاضعاً لتسلسل القيادة نفسه.
وأضافت المنظمة، أنه في 11 مارس 2012، حكمت محكمة عسكرية بتبرئة الضابط العسكري الوحيد الذي تم اتهامه في واقعة "كشوف العذرية" في مارس 2011. لم يقم ممثل النيابة العسكرية باستدعاء أي شهود يمثلون الادعاء لبيان التهم التي أحيلت القضية إلى المحكمة بموجبها، ولا طعن في شهادات شهود الدفاع التي كانت تنطوي على تناقضات ظاهرية. ورغم تصريحات واضحة من قادة عسكريين رفيعي المستوى تعترف بحدوث الواقعة، إلا أن المحاكمة لم تفحص هوية من أمر بالكشوف أو تحدد رتبته.
وأشارت إلى أن مبادئ الأمم المتحدة لسنة 1989 المتعلقة بالمنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة، تتكفل بتوفير خطوط إرشادية حول معايير التحقيق الفعال، فينص المبدأ التاسع على أن: الغرض من التحقيق هو تحديد سبب الوفاة وأسلوبها وتوقيتها، والشخص المسؤول، وأي نمط أو ممارسة يمكن أن تكون قد تسببت في الوفاة. ويجب أن يشمل صفة تشريحية وافية، وجمع وتحليل كافة الأدلة المادية والتوثيقية، وأقوال الشهود.
وأضافت أن المبدأ الحادي عشر ينص على أنه: في الحالات التي لا تكفي فيها إجراءات التحقيق المتبعة، بسبب نقص الخبرة أو الحيدة، أو بسبب أهمية المسألة أو بسبب وجود نمط ظاهري من الانتهاكات، وفي الحالات التي يوجد بها شكاوى من عائلة الضحية تتعلق بأوجه النقص هذه أو غيرها من الأسباب الجوهرية، يتعين على الحكومات متابعة التحقيق من خلال هيئة مستقلة لتقصي الحقائق أو ما شابه ذلك من إجراءات. ويتم اختيار أعضاء تلك الهيئة لحيدتهم المعترف بها، وكفاءتهم واستقلالهم كأفراد. وينبغي بوجه خاص أن يستقلوا عن أية مؤسسة أو وكالة أو شخص يمكن أن يخضع للتحقيق. وتتمتع الهيئة بسلطة الحصول على كافة المعلومات الضرورية للتحقيق، وعليها إجراء التحقيق كما تنص عليه هذه المبادئ.