Wednesday, March 6, 2013

...عندما كنت طفلا...

 
علموني أن لا أكذب مهما حصل
فالذي يكذب يدخل النار ويغضب الله عليه
-عندما كبرت إكتشفت أن أغلب الناس يكذبون
ويلونون كذباتهم حسب ما يرونه مناسب
عندما كنت طفلا
قالوا لي أن الحياة رائعة
بكل ما فيها وقالوا لي
أن الانسان يجب أن يكون
طيب مخلص  وفي  صادق 
عندما كبرت
إكتشفت أن الحياة ليست رائعة
إلى ذاك الحد الذي تم وصفه لي
وأن الإنسان عندما يكون طيب يستغلونه
  وعندما يكون مخلص تتم إهانته
وعندما يكون صادق يكرهونه
لأن كلمة الحق تثير غضب الآخرين
  عندما كنت طفلا
علموني أن لا أرفع صوتي
على من هم أكبر سننا مني
لأنني يجب أن أحترمهم
وأحترم وجهات نظرهم وخبرتهم في الحياة
عندما كبرت
إكتشفت أن الكبير أصبح صغير
وأننا لا نتعلم ولا نستفيد
عندما كنت طفلا
علموني أن أعتذر عندما أخطيء
فالإعتذار ليس بخطئ
وهو يجعلني أكبر في نظر الناس
وهذه صفة رائعة
عندما كبرت
إكتشفت أن إعتذاري
في نظر الآخرين هو ضعف في شخصيتي
وأن الأقوياء لا يعتذرون
عندما كنت طفلا
علموني أن وعد الحر دين
وأنني إن وعدت يجب
أن أوفي بوعدي مهما كانت النتيجة
-عندما كبرت-
إكتشفت أن أغلب الناس
لا يوفون بوعدهم حتى أقرب الناس إليك
وأن الوعود أصبحت مجرد كلام
لا يؤخذ بعين الإعتبار
عندما كنت طفلا
علموني أن الحق حق
وإن كان لي حق عند أحد
يجب أن لا أتخلى عنه
عندما كبرت
إكتشفت أن الحق إنقلب إلى باطل
وأن أغلبنا ينسى حقه بكل سهولة وببساطة
عندما كنت طفلا
علموني أن لا أتكلم إلا بالمفيد
وان أستمع لكل كلمة تقال
حتى أستفيد من تجارب الآخرين وأتعلم منهم
عندما كبرت
إكتشفت أن أكثرهم يتكلمون
بما لا يفهمون وما لا يعلمون
وأنهم يستمعون فقط
للكلام المطابق لكلامهم
عندما كبرت 

إكتشفت أن كل ما تعلمته
غير مطابق لما يحدث أمامي
في هذا العالم
في الماضي
.. كان الإقتراب من هاتف المنزل محظوراً وممنوعاً
... إلا على الرجال
وإذا رنّ الهاتف تتعالى أصواتهم بالأمر
!من بعيد مَحَّدْش يرُدْ
فهذا الجهاز الساحر
إرتبط بمفهوم الأخلاق والعيب والحياء
وكان إقتراب البنات منه عيبٌ ونقيصة
بمثل خروجهن في الشارع دون غطاء رأس
لذلك لا أحد يرد غير الكبار
في الماضي

 كان أقصى ما يمكن
أن يُشاهده الصغار في التلفزيون
أفلام الكارتون وأفتح يا سمسم
!!والحكايات العالمية الساحرة
ومغامرات سندباد
!! أما فيلم السهرة
فحرام حرام أن نسهر عليه
فنحن صغار لابد أن ننام مبكرا لكي نستيقظ مبكراً
 في الماضي
كان الأب يُعدّ عملاقا كبيراً
!!فنظرة من عينيه تُخرسنا
وإن ضَحك فإنّ ضحكته تطلق أعياداً
في البيت وصوت خطواته القادمة
إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ من عميق السبات
  !!ونقوم لنصلي الفجر
في الماضي
كانت المدرسة
التي تبعد كيلوين من المترات
كأنها قريبة خطوات من بيتنا
لدرجة أننا نمشى إليها
كل صباح ونعود منها كل ظهيرة
ولم نحتاج إلى باصات مكيفة
ولم نخشَ على أنفسنا من خطف ولا عصابات 

في الماضي
لم تكن هناك خشية وتخويف
من جراثيم على عربات الباعة الجوالين
ولم نعرفها في أرضيات البيوت المكسوة بالبلاستيك
ولم نسمع عنها في إعلانات التلفزيون
ولم نحتج لسائل معقم
ندهن فيه أيدينا كل ساعتين
لكننا برغم ذلك لم نكن نمرض
في الماضي
كانت للأم سُلطة
وللمعلم سُلطة
وللمسطرة الخشبية الطويلة سُلطة

 نبلعُ ريقنا أمامها
وهي وإنْ كانت تؤلمنا
لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم
وجدول الضرب وأصول القراءة
وكتابة الخط العربي
ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد!
في الماضي
كانت شوارع الحي بعد العاشرة مساء
تقفر تماما وتصبح فارغة
وكانت النساء يمكثن في بيوتهن
ولا يخرجن أبداً في المساء
وكان الرجال لا يعرفون مكانا
يفتح أبوابه ليلاً سوى
!!المُستشفى والمركز والمطار
في الماضي
لم تكن الحكومة تسمح
للمجلات والجرايد أن تنشر إعلانات
تكبير وتصغير العَوْرات
والمُنشطات الجنسية ومواد
تحويل السبلان الى غزلان 
 لأن الرجال كانوا فحولاً
...من دون منشطات
والنساء كنَّ غزلاناً
بعفتهن وطهارتهن
في الماضي
كان النقاب والحجاب غريباً
وكان الستر بالعباءات السوداء المرسلة

 على القوام وكان الستر في الوجوه الطيبة
الباسمة وكانت أبواب البيوت
مُشرعة للجيران وكانت صواني الذواقة
تدور كل ظهيرة بين الدور وفي الدرابين والحوارى
في الماضي
لم يَكن الأب مُتعلماً ولا الأم مُثقفة
وكان الصغار ينجحون من دون مدرسين خصوصي
ويفهمون المناهج من دون دروس خصوصية
ويُسجلون النتائج الكبيرة في المدارس الحكومية
ولم تكن هناك حاجة إلى مدارس خاصة
تدرس فساد الاخلاق بالعربي والغربي
في الماضي
كان للحياة عطر وأريج
وكانت الحياة إجتماعية أكثر طيّبة أكثر
... طعمها طيّب مليئة بالفرح أكثر
 في الماضي
كان هناك خجلٌ وحياء
كانت بنتُ الجيران هي عَرضي وأختي
أغارُ عليها مثلما أغار على شقيقتي
كان هناك في الشارع ذوق وأدب وأخلاق
  ما أجمل قلوب ونفوس تلك الأيام
.. ياليتها تعود 

((إيميل جانى))

0 comments: