Saturday, March 3, 2012

.............فيـــــــلم عنتر ولبلب........


فيلم عنتر و لبلب
لماذا تم تغير اسم البطل من شمشون الى عنتر؟
علي كثرة عيوبها التي تستحق بسببها ألف لعنة‏
فإن من مزايا الفضائيات التليفزيونية العربية‏
التي تستحق بسببها ألف قبلة‏
أن بعضها‏
‏ خصوصا قنوات الأفلام‏
تعيد بث الأفلام المصرية التي أنتجت
في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي‏
‏ فتتيح لأمثالي‏
‏ ممن أصبحوا للأسف شيوخا‏‏
الفرصة لاستعادة ذكريات أيام الشباب الذي ولي‏
,‏ حين شاهدوا هذه الأيام نفسها لأول مرة‏,
‏ وتوافرت لهم فرصة نادرة‏,‏
للمقارنة بين الانطباع الذي خرجوا به
من دار السينما حين شاهدوها
في ذلك الزمان البعيد‏
وما تتركه في أنفسهم مشاهدتهم لها‏
..‏ في هذا الزمان‏.‏
وربما لهذا السبب‏ ولأسباب أخري لا داعي لذكرها‏
‏ لا أكاد أعرف‏,‏ أو أعثر بالمصادفة‏‏
علي فيلم مما شاهدته في أيام صباي وشبابي
‏ يعرض في إحدي هذه القنوات‏
‏ حتي أتوقف أمامه‏,‏ لأشاهده‏‏
علي الرغم من أنني أكون قد شاهدته
علي القناة ذاتها أو غيرها‏‏
عدة مرات من قبل‏,‏ محاولا
أن أتذكر أين رأيته لأول مرة ومع من‏
باحثا عما يكون قد أضحكني أو أبكاني
أو جعلني أحبس أنفاسي من أحداثه وشخصياته
وجمل حواره أيامها‏
وعن الأسباب التي تدفعني هذه الأيام
للعدول عن انطباعي الأول عنه‏.‏
من بين هذه الأفلام فيلم ملئ بالغرائب‏
من إنتاج عام‏1952‏
ومن بين غرائبه‏,
‏ أنه عرض لأول مرة
في مارس‏1952‏ باسم شمشون ولبلب
وبعد يومين من بداية عرضه الأول
سحب من دار السينما التي تعرضه‏‏
من دون سبب معروف‏
ثم عاد ليعرض بعدها
بستة أشهر باسم عنتر ولبلب‏
وكانت مصر أيامها تعيش في ظل الظروف
التي أعقبت حريق القاهرة‏,‏
الذي وقع في يناير من ذلك العام‏
‏ وأدي إلي إعلان حالة الطوارئ‏
‏ وفرض الرقابة علي الصحف‏‏
واعتقال النشطاء السياسيين‏
الذين استغلوا فترة المد الوطني
التي أعقبت إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية
من طرف واحد‏,‏ هو مصر‏
لتشكيل كتائب تقوم بأعمال فدائية
ضد القواعد البريطانية
في منطقة قناة السويس‏
‏ لإجبار بريطانيا علي إجلاء قواتها عن مصر‏.‏
وأدت هذه الظروف
إلي فرض حظر للتجوال في القاهرة والإسكندرية
بين منتصف الليل والسادسة صباحا‏‏
فقررت دور السينما إلغاء حفلات السواريه‏‏
وصادرت الرقابة علي المصنفات الفنية‏‏
عددا من الأفلام الوطنية التي كان المنتجون
قد شرعوا علي عجل في إعدادها‏
استثمارا لموجة الحماسة الوطنية
التي أعقبت إلغاء المعاهدة‏
علي الرغم من أنهم كانوا قد حصلوا كالعادة
علي موافقة الرقابة علي السيناريو قبل التصوير
‏,‏ لكنها تعللت بأن الظروف قد تغيرت وبأن عرضها‏
‏ في جو الاحتقان السياسي الذي أعقب حريق القاهرة‏
يمكن أن يؤدي إلي تكدير الأمن العام‏
وكان من بين هذه الأفلام فيلم مصطفي كامل‏‏
الذي أخرجه وأنتجه أحمد بدرخان‏‏
عن زعيم الحركة الوطنية المصرية
في مطلع القرن العشرين‏
وفيلم‏(‏ الكيلو‏99)‏ الذي قام
ببطولته إسماعيل يس‏
وتدور أحداثه في قالب كوميدي
حول حركة الفدائيين ضد قاعدة قناة السويس‏
‏ وقد عرض الفيلمان بعد أن تغيرت
الظروف السياسية وقامت ثورة‏1952‏
وربما تكون هذه الظروف
هي السبب في مصادرة
فيلم شمشون ولبلب بعد أيام من عرضه‏
‏ فأحداث الفيلم تدور في حارة مصرية‏‏
تكفي لافتات متاجرها لإدراك
أنها تمثل مصر كلها‏‏
فهناك عصير قصب الجلاء‏‏
وجزارة القنال‏,‏ وعجلاتي الوحدة‏
وبقالة السلام يفد عليها ذات يوم
شخص غريب ليس من سكانها‏
‏ وهو شخص قوي مفتول العضلات‏
مدجج بالسلاح والأتباع هو شمشون‏
‏ وكان يقوم بالدور الممثل الراحل سراج منير‏
‏ فينزع قطعة من أرضها ليقيم عليها
كازينو ومطعما وملهي ليلي‏‏
ينافس متاجرها‏,‏ ويفسد أخلاق أهلها‏‏
مما يعرضه من رقص خليع‏‏
فيحط الفساد عليها إلي أن يتزعم لبلب‏
‏ صاحب مطعم الحرية المقاومة‏‏
علي الرغم من فقره وضعفه وهزاله‏
‏ فيتصدي لشمشمون ويدخل معه
في منافسة علي الهبوط بأسعار المأكولات‏
‏ لا يصمد فيها بسبب ضعف موارده المالية‏‏
لكنها تنتهي بمواجهة علنية بين الاثنين‏‏
يتحدي فيها لبلب عدوه شمشون
ويراهنه علي أنه في استطاعته
أن يصفعه سبع صفعات علي امتداد أسبوع‏
‏ بواقع صفعة كل يوم‏
فإذا فعل‏ حقق شمشون مطلب الحارة‏
‏ وهو الجلاء بلا قيد ولا شرط
فإذا فاتته صفعة واحدة يغادر
لبلب الحارة ويتركها لشمشون الدخيل بلا قيد ولا شرط‏.‏
ويدور الصراع بعد ذلك
بين حماقة القوة وذكاء العقل‏,‏
ويستعين شمشون بأتباعه وماله‏
‏ وينضم أهالي الحارة إلي لبلب‏‏
الذي ينجح بذكائه وحيلته في توجيه الصفعات
واحدة بعد أخري إليه‏,‏ خصوصا أن الرهان
تضمن كذلك بنت الحارة الجميلة
لوزة المطربة حورية حسن‏,‏ خطيبة لبلب‏‏
الذي قام بدوره المنولوجست الشهير محمود شكوكو‏
إذ اشترط شمشون أن يفوز بها
ضمن كل ما يقتنيه لبلب في الحارة‏
‏ في حالة فشله في توجيه الصفعات
السبع إليه وخسارته للرهان‏‏
وأمام توالي الهزائم
يلجأ شمشون إلي المناورة‏‏
ويطالب بفتح باب المفاوضات‏‏
لكن أهل الحارة يدركون
أنه يريد تمييع الموقف ليكسب الرهان‏
‏ فيعلن لبلب أنه لا مفاوضة إلا بعد العزال
‏-‏ أي الجلاء‏-‏
ويواصل المواجهة وينجح في شق جبهة شمشون
وجذب زوجته إلي صفه‏‏
بعد أن أفشي إليها سر سعيه للزواج من لوزة‏,
‏ مما يمكنه من توجيه الصفعة السابعة إليه‏
فيجلو عن الحارة‏,‏ مهزوما وتعيسا
بعد أن انتصر الحق علي الباطل‏
والعقل علي القوة‏.‏
بعد أشهر من العرض الأول للفيلم في مارس‏1952
عاد مرة أخري إلي دور السينما وكانت ثورة يوليو
قد قامت وتغيرت الظروف السياسية‏
لكن الحملة الدعائية التي مهدت وواكبت عرضه الثاني‏‏
أو بمعني أدق الأول مكرر‏‏
قدمته للناس باسم عنتر ولبلب‏‏
ولاحظ الذين شاهدوه أنه تعرض لعملية مونتاج
لشريط الصوت‏ شملت معظمه‏ لحذف اسم شمشون‏
‏ كلما ورد علي لسان إحدي الشخصيات
واستبداله باسم عنتر بصوت يختلف‏
في نبراته وطبقته ودرجة تطابقه مع حركة الشفاه
عن أصوات الممثلين الذين يرد علي ألسنتهم‏
‏ ومن بينهم أصحاب أصوات مميزة
مثل عبدالوارث عسر‏‏ وشكوكو‏‏
وهور ما أثار شكوكا في أن سبب سحب الفيلم
من دور العرض لم يكن يتعلق بتناوله
للصراع الوطني في مصر
بين المطالبين بتوقف المفاوضات
‏‏ وبجلاء الإنجليز عن مصر‏
وبالوحدة بين مصر والسودان‏
وهي الشعارات التي كانت سائدة آنذاك
بين صفوف الحركة الوطنية المصرية‏
والتي ارتفعت بقوة خلال المد الوطني
الذي أعقب إلغاء معاهدة‏1936
‏ واتفاقيتي‏1899‏ اللتين كانتا تعطيان
إنجلترا الحق في مشاركة مصر في إدارة السودان‏
‏ لكنها كانت تتعلق كذلك بإطلاق اسم شمشون‏‏
وهو أحد أنبياء بني إسرائيل‏‏ علي بطل الفيلم‏
وتصويره في صورة الرجل الشرير
الذي يغتصب أرض غيره‏‏
ويفسد حياة أصحاب الأرض الأصليين‏‏
وهو ما يعني أن الفيلم‏
‏ باسمه الأصلي‏
كان يحاول أن يربط بين
القضية الوطنية المصرية والقضية الوطنية الفلسطينية
‏,‏ وأن يوجه للنشطاء علي الصعيدين رسالة خلاصتها‏,
‏ أن الضعف ليس مبررا للنكوس عن استرداد الحقوق‏‏
وأننا إذا لم نكن نملك القوة‏
فباستطاعتنا أن نستخدم الذكاء‏.‏
أحد ألغاز هذا الفيلم‏,‏ هو سبب تغيير اسمه‏‏
وهل لذلك علاقة بأن مصر كانت آنذاك‏1953‏
تدرس عروضا أمريكية للصلح مع إسرائيل؟
أم أن الأمر‏-‏ كما قرأت مرة‏-‏ حدث بسبب
اعتراض حاخام اليهود حاييم ناحوم أفندي
علي استخدام اسم أحد أنبياء بني إسرائيل علي شخصية شريرة‏.‏
أما أهم هذه الألغاز فهو أننا لانزال
بعد أكثر من نصف قرن علي إنتاج هذا الفيلم
وستة عقود علي قيام دولة إسرائيل‏‏
عاجزين عن التنسيق بين
استخدام العقل واستخدام العضلات
من أجل تحرير فلسطين‏
وكلما استخدمنا أحدهما ضاع جزء آخر منها‏.‏


بقـــــلم صلاح عيسي

فيلم عنتر ولبلب على اليوتيوب


0 comments: