Friday, January 27, 2012

....أصلان أيضاً .. ودائماً ...


(1)
تعرفت عليه كمجرد اسم



من خلال فيلم سينمائي مأخوذ عن نص أدبي له


أدركت حينها أنه مختلف


بعد سنوات رأيت مقالاً له


خانتني الذاكرة حينها


إن كان هو أم لا!؟


تتبعت مقالاته


والتي في إحداها تكلم عن


بطل روايته الفيلمية كشيء


أشبه بالتتمة لما جاء ذكره من قبل


لهثت خلفه على الإنترنت متتبعاً


خطوات صاحب رواية


"مالك الحزين"

وجدت أن ما كُتب عن الكاتب الكبير


"إبراهيم أصلان"


أكثر مما كتبه هو


أصبحت كأحد مريديه متشوقاً لمقالاته الأسبوعية


تعرفت عليه عن كثب على مدار سنوات عبر مقالاته


رافقته في رحلاته المكانية


(شرقاً وغرباً)


والزمانية منذ أن كان طفلا


إلى أن أصبح يافعاً بين رفاقه في إمبابة
لهوت معه على شاطئ النيل



سرت برفقته مع


الشيخ حسني


بطل "مالك الحزين" حملت


عنه حقيبة البوسطة في أول أيام


تعيينه بمصلحة البريد


عشت لحظات خوفه وخجله


وتأثرت بدماثة خلقه


ناولته دواءه في مرضه





جلست على المقهى بجواره





ولعبت معه الدومينو


كنت قريباً له كظل شجرته التي في مكتبه

أدركت محيط حياته وأصبح أصدقاؤه أصدقائي


حزنت لمن مات منهم وفرحت لنجاحاتهم


عرَّفته كذلك على أصدقائي





وكل من حولي فلم يخلُ مجلساً لي





إلا وكان حاضراً معي





ذكرته لمن يعرفه ومن لا يعرفه





تأثرت مثلما تأثر هو بالمهمشين





شعرت بأنَّاتهم ولمست أوجاعهم





وداريت خذيهم





رأيت الناس من خلاله وأحسست بهم
(2)
حضرت أثناء إقامتي بالكويت





فعاليات الأسبوع الثقافي المصري الكويتي





في مكتبة عبدالعزيز البابطين





للشعر العربي العام الفائت





شارك خلالها الكاتب





"جمال الغيطاني"





بندوتين على يومين متتاليين





تناول في الأولى





"كتاب وصف مصر"





وأثناء خروج





"الغيطاني"





عقب ندوته من القاعة إلى اللوبى





تبعته تاركاً مقعدي بالصفوف الخلفية





وكان يحاوره كثيرون من المتحلقين





حوله يستزيدون من فيضه





ترقبته مسترقاً السمع





محاولاً تنقية نبرات صوته





من بين همهمات المتزاحمين





وضجيج





"الموبايلات"





لم تسنح لي الفرصة الاقتراب منه





أكثر من ذلك كي أبوح له بما يجيش في صدري
اتخذت مقعداً على مقربة





من الصفوف الأمامية في اليوم التالي





وقال "الغيطاني" في ندوته الثانية





التي كانت تحت عنوان





"قاهرة نجيب محفوظ"





أنه لم يخلص أديب لمدينة





مثلما أخلص محفوظ للقاهرة





وأنها كحيز مكاني تعتبر





حالة ثرية ثقافيا وتاريخياً وإنسانياً





لأن أحياءها تغوص بك





في أعماق التاريخ بشكل أفقي





من خلال أزمنتها المتجاورة





عقب الندوة كان الملتفون حوله





أقل من أمس فدنوت منه





بقدرٍ يسمح لي توجيه سؤال إليه
حضرتك بتشوف الأستاذ إبراهيم أصلان؟

باهتمام بالغ، هز رأسه مؤكداً
أيوه بشوفه
نظرت في عينيه.. ونظر في عيني





فقدت النطق للحظات.. كسر حاجز الصمت بكلمة
هقوله





!!ابتسمت له مبدياً أمتنانى





رغم علمي أن "الغيطاني" لا يعرفني
(3)
في إجازتي التالية قادماً من الكويت





لقضاء شهر رمضان في مدينة الألف مئذنة





عقدت العزم على أن أسعى للقاء





"أصلان"





ولم لا ألتقي بمن تذوق مرارة الغربة مثلما تذوقتها!؟





!لم لا أخبره بأننى هنا وأريد لقاءه؟





اتصلت بمكتب جريدة الحياة اللندنية





في القاهرة بحي جاردن ستي
- ألو لو سمحت ممكن تحولني





على مكتب الأستاذ إبراهيم أصلان؟
الأستاذ مش موجود، في إجازة لنص رمضان

أصابني الإحباط بعض الشيء
- طيب متعرفش ممكن يكون فين الأيام دي؟
لأ
- طيب ممكن رقم تليفونه؟
- حضرتك مين؟
أنا... لأ هو ميعرفنيش





بس أنا اسمي





"وليد"





جاي إجازة من الكويت ونفسي أقابله
آآه "سوري" والله مقدرش أعطيك رقم تليفونه
طيب هتصل على نص رمضان ممكن يكون رجع؟
إن شاء الله، مع السلامة

ذهبت إلى بعض المصالح الحكومية





بوسط البلد متأففاً من بيروقراطية الموظفين





الذين لم تتغير عقولهم الإدارية





ممسكاً على صيامي





بعد انتهاء مواعيد عمل المصالح الحكومية





أخذتني قدماي إلى جولة في بعض





مكتبات وسط البلد بداية من مكتبة





"عمر بوك ستورز" في أول شارع طلعت حرب





ثم "مدبولي" و"الشروق" في الميدان





خرجت من تلك الجولة بصيد ثمين





لبعض الكتب حملتها في كيس بلاستيكي وذهبت

(4)
طال بي التسكع





إلى أن وصلت إلى مقهى





"ريش"





العتيق الذي ضم بين جنباته





مبدعي مصر على مدار





قرن ونصف القرن من الزمان





مفكرين وكتابا وأدباء وشعراء





بل إن زلزال 1992 كشف عن ممر سري





إلى سرداب المقهى به آلة طباعة





كانت تستخدم لطباعة المنشورات السياسية





أبان الاحتلال البريطاني لمصر





ومن بين رواد "ريش" عم أصلان





سمعت هذا كثيراً فيما قرأته منه وعنه

خطوت خطوات داخل "ريش" الخالي





في ذلك النهار الرمضاني إلا من منضدة





يجلس عليها بعض الأجانب





وكان على يمين الباب مكتب
خشبي ذو طراز قديم بني قاتم





يجلس أحدهم خلف المكتب يراجع دفتراً أمامه





وعلى المقعد المقابل له يجلس رجل





يقترب من الستين، شعره الأبيض





يلف رأسه من الأجناب فقط





ذو صلعة براقة ممتلئ قليلاً يرتدي قميصاً خفيفاً





نصف كم فاتح لونه يتلاءم مع ذلك النهار القائظ
وبنطالاً أسود يبدو الوقار على هيئته





يعد عملات ورقية فئة المائتي جنيه





توجهت بسؤالي إلى من يجلس خلف المكتب
السلام عليكم، من فضلك





الأستاذ إبراهيم أصلان بيجي هنا والله؟
!إبراهيم إبراهيم مين؟
تدخل في الحوار من يجلس أمامه





بصوت ينم على أنه صاحب سلطان هنا
أيوه بيجي
متعرفش والله على الساعة كام بيمر؟
تطلع إلي من أعلى إلى أسفل





وتوقفت عيناه على الكيس البلاستيكي الشفاف





الذي أظهر الكتب بداخله، معتقداً أنني





أحد المهووسين بالمشاهير
لأ ملوش مواعيد
يعني ممكن إمته تقريباً؟
عاد بنظره إلى عملاته الورقية بعدما أنهى





عدها وبرمها دائرياً إلى أن أصبحت





بحجم السيجار مفيش ميعاد محدد
متشكر، سلام عليكم

مستمراً في عده وبرمه
وعليكم السلام
(5)
عاودت الاتصال بمكتب جريدة الحياة بعد منتصف رمضان
- ألو، الأستاذ إبراهيم رجع من الإجازة؟
- أيوه رجع
- والله طب هو موجود؟
لأ مش موجود، ثانية واحدة أديك رقم موبايله؟

انتفضت في سعادة بالغة صامتاً
- أتفضل
- رقمه ××××××××01
- متشكر جداً

وفي المساء
- ألو، الأستاذ إبراهيم أصلان؟
جاءني صوت رخيم هادئ استشعرت الطيبة في نبراته
أيوه، مين معايا؟
أنا والله اسمي





"وليد"





مقيم في الكويت وحالياً في زيارة لمصر
- أهلا وسهلا.
سألت على حضرتك في "الحياة" وعرفت إنك رجعت من الإجازة
أيوه
حمد لله على السلامة، ممكن أستأذن حضرتك إني أشوفك
خير؟
أبداً، والله بس أنا من قرائك ونفسي أتعرف على حضرتك
أوي أوي، الأربع بعد الضهر كويس؟
- كويس، ممتن جداً لحضرتك
- مفيش أي حاجة
- مش قادر أوصفلك سعادتي أد إيه إني سمعت صوت حضرتك
متشكر، متشكر

(6)
قبل الموعد كنت على مقربة من جاردن ستي





طلبته في الموعد ولما ..كررتها مرات ومرات دون جدوى





عدت من حيث أتيت، وبعد الإفطار مساءً عاودت الاتصال
- ألو "وليد" مع حضرتك





كنت اتصلت الصبح حسب موعدنا
- أيوه معلش
لو تحب حضرتك ممكن أقابلك الليلة في أي وقت وأي مكان ملائم
ظروفي مش مناسبة اليومين دوول توفي صديق لي اليوم
الله يرحمه
طيب خلينا على اتصال الأسبوع الجاي
أي يوم حضرتك تحب؟
مش هتفرق أي يوم

مضت بضعة أيام وأوشك رمضان على الرحيل





طلبته في أسبوعه الأخير
ألو "وليد" مع حضرتك كنت





كلمتك الأسبوع اللي فات
- أيوه أهلا وسهلا
اتصلت بحضرتك لتحديد وقت ملائم للقاء
الحقيقة اليومين دوول مشغول جدا





عندي تكريم في





"الشروق"





والوقت صعب شوية





أنت كنت عاوز تقابلني ليه؟
أبدا.. تلعثمت قليلاً





وصمت هو للحظات تاركاً لي المجال





في محاولة منه أن يستنطقني





بس كان نفسي أشوف حضرتك
خلينا على اتصال لما تسمح الظروف
إن شاء الله سلام عليكم
(7)
مرت بضعة أيام وعاودت الاتصال مجدداً
- أستاذ "إبراهيم" مع حضرتك "وليد"
- أهلا وسهلاً
- معلش بعتذر لحضرتك مسمحتش الظروف





إننا نتقابل، أنا في المطار راجع الكويت

صمت للحظات
- ظروفنا إحنا الاتنين مكنتش مناسبة.
إن شاء الله تكون هناك ظروف ملائمة الإجازة الجاية
إن شاء الله
ربنا يديك الصحة ويخليك لنا

ساد الوجوم قليلاً
متشكر يا "وليد" إن شاء الله نتقابل على خير
مع السلامة يا أستاذ
انتهت المكالمة مع نهاية إجازتي





سافرت مستعذباً مخالطة لساني للسانه

---------------
إلى هنا انتهت القصة





التي نشرت في مجموعتي القصصية الأولى





ليدي من وسط البلد





نوفمبر 2011
والتي لم أذكر بها السبب الحقيقي





وراء إصراري على لقاء عم إبراهيم





وخشيت أن أذكره ربما تقع القصة في يديه





ويعرف ما وددت أن أحتفظ به





لنفسي حتى أرويه له وجهاً لوجه
والآن … والآن يعني الآن في التو واللحظة





سمعت خبر وفاة عم إبراهيم عن عمر يناهز 77 عاماً





مع قدر من الديباجة التي تقال دائماً





في مثل هذه الأحوال كلما فقدنا أحد





ومر الخبر زي أي خبر
والآن أيضاً لم أعد قادراً على





كتمان سبب إصراري على هذا اللقاء





يمكن عم إبراهيم يقدر يسمعني دلوقت





ويعرف اللي كان نفسي أُقوله له
عم إبراهيم أزي حضرتك





إن شاء الله تكون في أحسن حال
والله يا عم إبراهيم في جزء





لم أذكره في الكلام المكتوب اللي فوق ده
وهو إني بتابع مقالات حضرتك على الأهرام





والمنشورة كل يوم تلات من سنة2005





أه والله يا عم إبراهيم من 2005
ومفتنيش أي مقال من الوقت ده،





وبقى قراءة مقالتك كل تلات أحد طقوسي الخاصة





حتى والله يا عم إبراهيم أول ما بدأت التدوين





كنت محافظ على نشر "بوست" كل يوم تلات





تيمناً وإقتداء بيك، لكن مع الأسف





كان بيصادف في بعض الأوقات





تحصل ظروف في الشغل تمنعني





إني أقدر أقرا مقالك في نفس اليوم
ولما كنت بدخل في اليوم التالي علشان





اقرا المقالة على رواقة





كنت بلاقي أرشيف الأهرام غير مسموح





به في الوقت ده إلا لمن يستخدم رقم معين





للدخول على الإنترنت ومع الأسف أنا مقيم في الكويت





وكان من الصعب علي الوصول





لأرشيف الأهرام علشان أقرا جرنال امبارح
وبعد كدة لما كان يصادف وظروف الشغل



تمنعني أقرا مقالة لك كنت بدخل على الأهرام


أخد "كوبي" وأنقله على "فايل وورد" علشان


استمتع بقرايته في وقت تاني، وشوية بشوية


يا عم إبراهيم ملف الوورد ده كبر أووي


وعلى مدار سنين تجاوز الـ 400 صفحة
أه والله تجاوز الـ 400 صفحة


حضرتك تخيل دوول ممكن يكونوا


كام أسبوع وكام مقال، وكام سنة
وفي مرة من المرات وانا بضيف





مقالة جديدة للمقالاتك لاحظت عدد الصفحات





وطقت في دماغي فكرة مجنونة وقتها





وقولت إن شاء الله لما أنزل أجازة لمصر





أنسخ نسختين من المقالات دي





واحاول أوصلك علشان أطلب من حضرتك توقيعك





على نسخة منهم وأحتفظ بيها لنفسي





وافتخر بيها قدام أولادي





وإني صاحب النسخة الوحيدة





دي والممهورة بتوقيعك
والنسخة التانية كان نفسي أقدمها لحضرتك





يمكن دأبي على جمعها يقولك أنا بحبك أد أيه يا عم إبراهيم
لكن مع الأسف الظروف مسمحتش





زي ما أنت عارف
مش عارف أقولك أيه والله
مع السلامة يا عم إبراهيم الله يرحمك
كان نفسي أشوفك أوي





****




























2 comments:

!!! عارفة ... مش عارف ليه said...

أنا حاولت أوصل للتدوينة هنا أكتر من مرة بس مع الأسف مكنتش بتفتح معايا

والحمد لله فتحت المرة دي

طبعاً أنا بشكرك بجد على نقل التدوينة على مدونتك

وكمان على تقطيعك لنهايات الجمل بالشكل ده اللي اكسبها مذاق خاص

وربنا يرحم استاذنا الغائب الحاضر

وبكرر شكري مرة تانية لك
على متابعتك الدؤوبة

Unknown said...

بسم الله الرحمن الرحيم
وبسم الله ما شاء الله
استاذ وليد
ازاى الكومنتس
!!فتحت انا قافلها
على العموم هى فرصة انى
انا اللى اشكرك على سماحى
بوضع التدوينة عندى كتر خيرك
انت صاحب فضل سابق مازالت
(غية حمام )
تجذب الكتير من الزائرين الى هنا
فشكرا لك مرة اخرى

Post a Comment

قول ولا تجرحـش