في الميزان
المستوطنات المصرية
بقلم
أشرف عـبدالمنعم
عندما شرع الإنسان في بناء المستوطنات
بشكل عام لكي يستوطن عبر تاريخه الطويل
فإنه راعي فعليا خمسة عناصر أساسية بعينها: الأول:
هو زيادة وتعظيم قدراته الاتصالية
مع عناصر الطبيعة من حوله:
كمثل الموارد الطبيعية بشكل عام
وكذا البشر الموجودين في محيطه,
فيما جاء تعبيرا عن مشكلة الإنسان الفطرية الدفينة
بفقدانه الفردوس والاستعاضة عن ذلك
برغبة عارمة في غزو الكون
-كل الكون بديلا-
وتبديد ذلك الشعور الدائم الذي يتملكه
بأنه وإن سكن أفضل ربوع الطبيعة
فإنه يظل سجين واقعه المكاني والزماني
علي عكس الحيوان مثلا
والذي لايرصد العلم أي محاولة
من جانبه في العمل علي زيادة قدراته الاتصالية
بما وبمن حوله مادام قد بلغ مآربه.
والثاني:
هو تقليل ذلك الجهد الذي يبذله
من أجل تحقيق هذا الاتصال
ويتمثل ذلك في شروعه في تشييد الطرق والإنشاءات
وخلافه التي تقربه وتيسر عليه بلوغ غاياته.
والثالث:
هو بلوغ الدرجة المثلي من توفير
الحماية لنفسه في المقابل
بتحديد المسافة الكافية بينه وبين الآخرين
,بشرا كانوا أو غير ذلك,
بما يحول دون إحساسه بأي نوع من أنواع
عدم الارتياح النفسي تجاههم,
وقد يتأتي ذلك من خلال حوائط منزله
أو ربما السور المحيط بهذا المنزل
أو ربما بالمستوطنة كلها!!
والرابع:
هو السعي وراء بناء جسر اتصالي مثالي
بينه وبين البيئة الطبيعية أو المجتمعية المحيطة بموطنه
.والخامس:
هو تنظيم موطنه علي نحو يكفل له
استيفاء خليط من كل هذه العناصر الأربعة مجتمعة.
هكذا تقول المراجع
وهكذا قال العلماء المتخصصون
فيما لا يجدون له عنصرا سادسا
يمكن إضافته مستقبليا بأي حال من الأحوال
وفيما أجملوه من معايير رأوها ضرورية
لتحقيق أهداف الاستيطان البشري'الناجح'
هنا أو هناك.
ولعل هذا هو ما يفسر دائما النظر
إلي الاستيطان علي نحو معيوب وغير مقبول
حين تنتفي أي من هذه العناصر العلمية السالفة
إذ تتحول البنايات وساكنوها معا في هذا السياق
إلي كيانات غير محمودة الوجود,
أو ربما غير مبررة أو شرعية,
كمثل تلك المستوطنات الإسرائيلية
في الأراضي المحتلة مثلا
والتي وإن جاز تصنيفها ظاهريا ونظريا
علي أنها تحمل ملامح الاستيطان البشري
الطبيعي لبقعة من بقاع الأرض,
إلا أنها تظل ملفوظة نفسيا من قبل الناظرين العرب
فلا هي عظمت القدرة الاتصالية بين ساكنيها والآخر
ولاهي قللت المجهود الاتصالي البشري من جانب قاطنيها بمحيطهم
ولا هي وفرت الحماية النفسية-علي الأقل- لهؤلاء
ولا هي شيدت جسرا مثاليا مع بيئتها المحيطة
علي أي مستوي من المستويات المتعارف عليها بشريا
وإنما هي جسدت عكس كل ذلك تجسيدا غريبا
فلفظتها الفطرة السليمة بل وتراشقت معها.. وكان هذا بديهيا!!
وهو ما انتقدته الفطرة اليهودية السليمة
ذاتها هناك واعتبرته استجلابا
لمرارة تاريخ الاستيطان الصهيوني الأول
وليس استحضارا لوصايا ووعود توراتية قديمة
في توريث الأرض بالاستيطان عليها!!
وبعكس المستوطنات داخل إسرائيل,
جاءت حركة الاستيطان
داخل( وليس خارج) بريطانيا
والولايات المتحدة( ومن بعدها روسيا القيصرية)
مع منتصف القرن الـ19 فيما بلغ ذروته
مع حلول الثلث الأول من القرن العشرين
حيث جاء الأمر هناك
علي هدي سياق إصلاحي اجتماعي
أفرزته الحركة المجتمعية( هناك).
وكان الهدف الأسمي من بناء المستوطنات السكنية
داخل هذه الدول آنذاك هو التقريب بين الغني والفقير
داخل سياقات مجتمعية مستقلة;
حيث قامت الحكومات هناك
ببناء مستوطنات سكنية في المناطق الحضرية الفقيرة
ليسكنها أبناء الطبقة الوسطي
سعيا وراء خلق أجواء مشاركة معرفية وثقافية
تستهدف نقل عدوي التمدن بالمفهوم الواسع للكلمة
إلي جيرانهم الأقل تمدنا وتقريب الهوة بين الاثنين قدر المستطاع.
وأطوي صفحات المراجع والكتب
ثم أنظر فأري مستوطنات سكنية
( مصرية)
هذه المرة وقد أينعت!!
و أري فيها الفيلات الجميلة الأنيقة علي الطراز الفيكتوري أو القوطي
أو ما شابه تطل من المستوطنات-' المنتجعات' السكنية الجديدة
تتوسطها ملاعب الجولف الغناء المستهلكة للمياه دون أدني نفع,
والبحيرات الصناعية المستنزفة للماء دون أدني نفع أيضا,
وحمامات السباحة الملآي بالمياه وقد أحاطت
بها أشجار غير مثمرة إلا فيما ندر
ثم أحاطت بالقصور أسوار وهذا طبيعي
ثم أحاط بكل الأسوار
سور كبير شاهق يفصلها عن محيطها( تماما)- وهذا غير طبيعي!!
فصحيح أن هذا السور ربما قد ازدان بزهور
الجهنميات مختلفة ألوانها تبرر وتجمل وجوده,
وقد وقفت تلك القصور شاخصة
من ورائها علي أطراف المدينة القديمة البائسة
أو في داخل صحاري المدن الجديدة الخاوية علي عروشها
تخرج للجميع ألسنتها يحرسها الحراس
و تدلف إلي داخلها أفخم أنواع السيارات الفارهة
صحيح هذاولكن الأسوار لن تعدو كونها حاجزا في النهاية مهما ازدانت!!
ثم أسأل نفسي المتعجبة: تري إلي أي فلسفة
تميل هذه الإنشاءات الاستيطانية عندنا؟
هل تراها تميل إلي الفكر الإسرائيلي الاستيطاني
غير المتسق مع محيطه المجتمعي علي هدي تأويل توراتي ؟
أم تراها تميل إلي ذلك الفكر الذي استشري
في الغرب علي هدي حركة إصلاح اجتماعي
موله الأغنياء؟ثم أسأل:
تري أي قنبلة مجتمعية( معزولة)( موقوتة)
في رداء الأمن الاجتماعي المصري
تمثلها تلك المستوطنات المصرية المسورة؟
أي قنبلة تلك علي خلفية مجتمعية متدنية اقتصاديا
تقضي فيها الأغلبية
جل يومها ما بين طوابير العيش وطوابير أنابيب البوتاجاز؟
إنني أري خرابات مفتوحة
تتوسطها قصور مسورة
وقصورا مسورة تري خرابات مفتوحة
علي مرمي الأفق البعيد
فلا سكان الخرابات اتسقوا نفسيا
!!ولا سكان القصور هنئوا كلية في المقابل
إن الغني والفقير هما وجهين لكل عملة مجتمعية
أفرزها الماضي والحاضر وسوف يفرزها أي مستقبل
ولكن الفصل بين وجهي العملة بسور
هو نوع من الشعور الدفين باستحالة التعايش بين الاثنين
ونوع من أنواع تعزيز هذا الشعور دائما أبدا
وهذا هو مكمن الخطر!!
تري ماذا تحمل إلينا عقارب
( الساعات)
وليست عقارب السنين
القادمة علي هذا النحو المغلوط المستجد علينا؟
المستوطنات المصرية
بقلم
أشرف عـبدالمنعم
عندما شرع الإنسان في بناء المستوطنات
بشكل عام لكي يستوطن عبر تاريخه الطويل
فإنه راعي فعليا خمسة عناصر أساسية بعينها: الأول:
هو زيادة وتعظيم قدراته الاتصالية
مع عناصر الطبيعة من حوله:
كمثل الموارد الطبيعية بشكل عام
وكذا البشر الموجودين في محيطه,
فيما جاء تعبيرا عن مشكلة الإنسان الفطرية الدفينة
بفقدانه الفردوس والاستعاضة عن ذلك
برغبة عارمة في غزو الكون
-كل الكون بديلا-
وتبديد ذلك الشعور الدائم الذي يتملكه
بأنه وإن سكن أفضل ربوع الطبيعة
فإنه يظل سجين واقعه المكاني والزماني
علي عكس الحيوان مثلا
والذي لايرصد العلم أي محاولة
من جانبه في العمل علي زيادة قدراته الاتصالية
بما وبمن حوله مادام قد بلغ مآربه.
والثاني:
هو تقليل ذلك الجهد الذي يبذله
من أجل تحقيق هذا الاتصال
ويتمثل ذلك في شروعه في تشييد الطرق والإنشاءات
وخلافه التي تقربه وتيسر عليه بلوغ غاياته.
والثالث:
هو بلوغ الدرجة المثلي من توفير
الحماية لنفسه في المقابل
بتحديد المسافة الكافية بينه وبين الآخرين
,بشرا كانوا أو غير ذلك,
بما يحول دون إحساسه بأي نوع من أنواع
عدم الارتياح النفسي تجاههم,
وقد يتأتي ذلك من خلال حوائط منزله
أو ربما السور المحيط بهذا المنزل
أو ربما بالمستوطنة كلها!!
والرابع:
هو السعي وراء بناء جسر اتصالي مثالي
بينه وبين البيئة الطبيعية أو المجتمعية المحيطة بموطنه
.والخامس:
هو تنظيم موطنه علي نحو يكفل له
استيفاء خليط من كل هذه العناصر الأربعة مجتمعة.
هكذا تقول المراجع
وهكذا قال العلماء المتخصصون
فيما لا يجدون له عنصرا سادسا
يمكن إضافته مستقبليا بأي حال من الأحوال
وفيما أجملوه من معايير رأوها ضرورية
لتحقيق أهداف الاستيطان البشري'الناجح'
هنا أو هناك.
ولعل هذا هو ما يفسر دائما النظر
إلي الاستيطان علي نحو معيوب وغير مقبول
حين تنتفي أي من هذه العناصر العلمية السالفة
إذ تتحول البنايات وساكنوها معا في هذا السياق
إلي كيانات غير محمودة الوجود,
أو ربما غير مبررة أو شرعية,
كمثل تلك المستوطنات الإسرائيلية
في الأراضي المحتلة مثلا
والتي وإن جاز تصنيفها ظاهريا ونظريا
علي أنها تحمل ملامح الاستيطان البشري
الطبيعي لبقعة من بقاع الأرض,
إلا أنها تظل ملفوظة نفسيا من قبل الناظرين العرب
فلا هي عظمت القدرة الاتصالية بين ساكنيها والآخر
ولاهي قللت المجهود الاتصالي البشري من جانب قاطنيها بمحيطهم
ولا هي وفرت الحماية النفسية-علي الأقل- لهؤلاء
ولا هي شيدت جسرا مثاليا مع بيئتها المحيطة
علي أي مستوي من المستويات المتعارف عليها بشريا
وإنما هي جسدت عكس كل ذلك تجسيدا غريبا
فلفظتها الفطرة السليمة بل وتراشقت معها.. وكان هذا بديهيا!!
وهو ما انتقدته الفطرة اليهودية السليمة
ذاتها هناك واعتبرته استجلابا
لمرارة تاريخ الاستيطان الصهيوني الأول
وليس استحضارا لوصايا ووعود توراتية قديمة
في توريث الأرض بالاستيطان عليها!!
وبعكس المستوطنات داخل إسرائيل,
جاءت حركة الاستيطان
داخل( وليس خارج) بريطانيا
والولايات المتحدة( ومن بعدها روسيا القيصرية)
مع منتصف القرن الـ19 فيما بلغ ذروته
مع حلول الثلث الأول من القرن العشرين
حيث جاء الأمر هناك
علي هدي سياق إصلاحي اجتماعي
أفرزته الحركة المجتمعية( هناك).
وكان الهدف الأسمي من بناء المستوطنات السكنية
داخل هذه الدول آنذاك هو التقريب بين الغني والفقير
داخل سياقات مجتمعية مستقلة;
حيث قامت الحكومات هناك
ببناء مستوطنات سكنية في المناطق الحضرية الفقيرة
ليسكنها أبناء الطبقة الوسطي
سعيا وراء خلق أجواء مشاركة معرفية وثقافية
تستهدف نقل عدوي التمدن بالمفهوم الواسع للكلمة
إلي جيرانهم الأقل تمدنا وتقريب الهوة بين الاثنين قدر المستطاع.
وأطوي صفحات المراجع والكتب
ثم أنظر فأري مستوطنات سكنية
( مصرية)
هذه المرة وقد أينعت!!
و أري فيها الفيلات الجميلة الأنيقة علي الطراز الفيكتوري أو القوطي
أو ما شابه تطل من المستوطنات-' المنتجعات' السكنية الجديدة
تتوسطها ملاعب الجولف الغناء المستهلكة للمياه دون أدني نفع,
والبحيرات الصناعية المستنزفة للماء دون أدني نفع أيضا,
وحمامات السباحة الملآي بالمياه وقد أحاطت
بها أشجار غير مثمرة إلا فيما ندر
ثم أحاطت بالقصور أسوار وهذا طبيعي
ثم أحاط بكل الأسوار
سور كبير شاهق يفصلها عن محيطها( تماما)- وهذا غير طبيعي!!
فصحيح أن هذا السور ربما قد ازدان بزهور
الجهنميات مختلفة ألوانها تبرر وتجمل وجوده,
وقد وقفت تلك القصور شاخصة
من ورائها علي أطراف المدينة القديمة البائسة
أو في داخل صحاري المدن الجديدة الخاوية علي عروشها
تخرج للجميع ألسنتها يحرسها الحراس
و تدلف إلي داخلها أفخم أنواع السيارات الفارهة
صحيح هذاولكن الأسوار لن تعدو كونها حاجزا في النهاية مهما ازدانت!!
ثم أسأل نفسي المتعجبة: تري إلي أي فلسفة
تميل هذه الإنشاءات الاستيطانية عندنا؟
هل تراها تميل إلي الفكر الإسرائيلي الاستيطاني
غير المتسق مع محيطه المجتمعي علي هدي تأويل توراتي ؟
أم تراها تميل إلي ذلك الفكر الذي استشري
في الغرب علي هدي حركة إصلاح اجتماعي
موله الأغنياء؟ثم أسأل:
تري أي قنبلة مجتمعية( معزولة)( موقوتة)
في رداء الأمن الاجتماعي المصري
تمثلها تلك المستوطنات المصرية المسورة؟
أي قنبلة تلك علي خلفية مجتمعية متدنية اقتصاديا
تقضي فيها الأغلبية
جل يومها ما بين طوابير العيش وطوابير أنابيب البوتاجاز؟
إنني أري خرابات مفتوحة
تتوسطها قصور مسورة
وقصورا مسورة تري خرابات مفتوحة
علي مرمي الأفق البعيد
فلا سكان الخرابات اتسقوا نفسيا
!!ولا سكان القصور هنئوا كلية في المقابل
إن الغني والفقير هما وجهين لكل عملة مجتمعية
أفرزها الماضي والحاضر وسوف يفرزها أي مستقبل
ولكن الفصل بين وجهي العملة بسور
هو نوع من الشعور الدفين باستحالة التعايش بين الاثنين
ونوع من أنواع تعزيز هذا الشعور دائما أبدا
وهذا هو مكمن الخطر!!
تري ماذا تحمل إلينا عقارب
( الساعات)
وليست عقارب السنين
القادمة علي هذا النحو المغلوط المستجد علينا؟
..............
0 comments:
New comments are not allowed.