Thursday, June 12, 2014

فيلم مسيو لزهرMonsieur Lazhar



غالباً ما يتوقع الجمهور من الأفلام التي تدور حول
 المدارس والطلاب نوعاً من المعالجة التي ألفوها فأصبح كثيرٌ منها عالة على أفلام سبقت في رؤية الموضوع من زاوية مميزة وحصدت تقديراً واسعاً، فكثرت الكليشيهات المكرورة مرة بعد أخرى، حتى ضاقت مساحة التوقعات ليأتي فيلم "السيد لزهر –Monsieur Lazhar" للمخرج الكندي فيليب فالارديو عام 2011م، ليمنح حكاية ما ألقاً مختلفاً لا سيما وإن أخذنا في الاعتبار مبدئياً أن الحكاية في حد ذاتها مدهشة ومختلفة كلياً عن النمط المعتاد من أفلام المدارس.

يبتدئ الفيلم بهدوء مدروس، حكايته عن طلاب مدارس ابتدائية في مونتريال، يتجمعون في ساحة المدرسة الخارجية استعداداً لبدء اليوم الدراسي، وعندما يدخل أحد طلاب الصف الخامس ليعد علب الحليب لزملائه في الصف، يرى مشهداً صادماً لا يستطيع عقله الغض استيعابه، معلمة الفصل السيدة مارتين– والتي لا نرى لها حضوراً في الفيلم سوى في صورة يتيمة تظهر لاحقاً- معلقة في زاوية الفصل وقدماها متدليان فوق كراسي الفصل الصغيرة. بشكل عاجل وحاسم تحاول إدارة المدرسة أن تتلافى تكرار الصدمة فينطلق طاقم المعلمات وبعض المعلمين في محاولة صد الطلاب عن رؤية المشهد وفيما يبدو أنهم نجحوا فيه، إلا إننا نرى طالبة أخرى من نفس الفصل تقف مذهولة بعد ما رأت ما حدث. هنا تبدأ إدارة المدرسة في محاولة رأب الصدع النفسي الذي حل بالطلاب عن طريق استدعاء معالجة نفسية، لكن الأمور تبدو أعقد من ذلك، وهنا في هذه اللحظة الحاسمة، يظهر رجل تبدو عليه سيماء الطيبة والاحترام، السيد "بشير لزهر" – يؤدي دوره الممثل الجزائري الفرنسي محمد فلاق- الذي يبدي رغبته في التعاون وحل محل معلمة الفصل الراحلة، مؤكداً حبه للأطفال وشغفه بالتعليم، بزعم خبرة تبلغ عشرين عاماً في المدارس الجزائرية
لا يواجه الأستاذ بشير مشاكل حقيقية في الفصل عند شروعه بتدريس الفصل، وفي ذلك استثمار ناجح لفكرة أن الطلاب صغار وفي المرحلة الابتدائية مع اعتبار الحادث النفسي الرهيب الذي مروا به، لكن ذلك لا يعني أن الأمور كانت برداً وسلاماً، فالسيد بشير بحاجة للكثير من الأشياء ليتعلمها من أجل القدرة على النفاذ إلى عقول وقلوب الأطفال الذين يبدون مستوى ذكاء وإدراك أكثر مما يتصور، لكنهم رغم ذلك لا يعتقدون أن بلزاك مناسب لتدريسهم اللغة الفرنسية
بشير هو الآخر لا يجد حرجاً في التعلم وتغذية معلوماته الناقصة حول كل ما في المدرسة، فهو ودود ولطيف وسهل المعاشرة، لكن وخلف هذا القناع المبتسم والمتعاون تكمن معاناة إنسان محطم يحاول اللجوء إلى كندا بسبب عملية إرهابية كانت ضحيتها أسرته وبعض جيرانه، ما يجعل الفيلم ينطلق في استقصاء الردم النفسي الذي يتم على شكل عملية راجعة لكلا الطرفين المعلم وطلابه، لكن بشير يبدو قادراً على أن يكون متوازناً حتى اللحظة الأخيرة في عدم توريط طلابه في تجربة أخرى تجربته الشخصية


الفيلم واعٍ جداً ويسير في خطوط مدروسة بعناية، كما أن لغة حواراته على الرغم من سلاستها، كانت شديدة الشاعرية وتحمل في طياتها دفئاً إنسانياً نادراً، حتى في أحلك مواقف الفيلم مثل جلسة التحقيق في طلب السيد "بشير" حق اللجوء السياسي
قد يرى البعض أن الفيلم يناقش قضايا أخلاقية متعلقة بالشرف والصدق وربما الأخوة الإنسانية التي لا تعرف جغرافية المكان أو أيديولوجية المعتقد، لكن الفيلم وإن عكس بعضاً منها كطيف، إلا أنني أظنه كان مرتهناً بالتجربة الإنسانية في العلاقة الحاضرة بين شخوص تجمع إنساني ما، وانعكاس كل ذلك الأخذ والعطاء بينهم، فيما يجسد ترميم الأرواح بما بقي في داخلها حياً، تلك القدرة على المواساة والتعزية رغم كل ندوب الحياة، لكن الوصول لتلك الحالة كان لا بد له من المرور من بعض المآزق من خلال روابط الطلاب مع ذويهم، والذين لم يزالوا يذكرون السيد "بشير" بغفلته عن إدراك اختلاف هويته الثقافية والاجتماعية وفي مساحتها الأقل حضوراً، الأمر الذي كان يربكه ويجعله فريسة لحالة من الاستغراب البالغ، لكن الفيلم رغم كل ذلك متخم بالتسامح في كل مسار من أحداثه التي تعطرها موسيقى تلميذ الأيقونة إينو موريكوني "مارتين ليون"
لغة الفيلم السينمائية هادئة وهي تتنقل رغم هدوئها بحيوية شديدة تستقي أجواءها من فصول الدراسة التي تبتدئ بالشتاء وتنتهي في الربيع في إشارة ربما كانت لها دلالة ما، كما أن غرق الشاشة في الأخضر الشفاف جعل صبغة الهدوء حاضرة وحتى في المشاعر الأكثر حميمية كان مفهوم الرثاء الواعي هو الأكثر سيطرة على أطفال في عمر الزهور، لا ينتظر منهم البالغون ذلك، لكنهم لا يستكثرونه عليهم، مفاهيم مثل الجريمة والعقاب، والتهرب من العقاب عبر تجربة الموت، وأحداث الفيلم في سياقها الزمني مبنية على قفز مدروس في تيار الزمن، الأمر الذي يمنح المشاهد ذلك الشعور باستمرار الحياة رغم الموت الجاثم على مخيلة الأطفال الذين هم أكثر شغفاً بالحياة وأقل استيعاباً للموت وتداعياته، ومن هنا يكتسب الفيلم نقطة أخرى لصالحه، من حيث قدرته على النجاة من شرك المباشرة والاستجداء العاطفي ومحاولة الاستفادة من وجود الأطفال الذين يمنحون الجمال لكل جنس فني وأدبي يظهرون فيه
فالارديو حقق عملاً مميزاً من خلال إدارة فيلمه وممثليه باقتدار بالغ وعلى رأسهم محمد فلاق الذي ربما أثار ردود فعل غاضبة لدى بعض التيارات الفكرية الجزائرية، إلا أنه من ناحية فنية مباينة حاز على كثير من التقدير لأدائه المميز، كما استحق جائزة مهرجان "جيني" الكندي بأونتاريو عن فئة أفضل ممثل في دور رئيسي، كما حاز "رولاند بلانتي" على ترشيح آخر على إنجازه في التصوير، لكن مجمل الجوائز والترشيحات كانت من نصيب فالارديو الذي برز منذ أول أفلامه التي تبلغ أربعة بفيلمه هذا، الذي ترشح في فئة أفضل فيلم أجنبي في الحفل الرابع والثمانين للأكاديمية الأمريكية

منقول
طارق الخواجى





3 comments:

P A S H A said...

جميلة جداً اختياراتك يا دكتورة
:))
الفيلم ده عندي في الليسته بقاله فترة وفي خطتي أحمله إن شاء الله خاصة بعد ما قريت المقال الجميل ده عنه
:))
كان فيه فيلم مهم برضه بيناقش موضوع شائك بلغة سينمائية جميلة :
The Hunt aka Jagten (2012)
:))
خالص تحياتي

Unknown said...

باشا
الفيلم جميل أوى جدا
فعلا يستحق التحميل والتخزين

Unknown said...

شـــركة نقل
أثاث بالريـــاض
الــــف شكـــــــر
بس اصل انا بمصر:)
وشركات نقل القاهرة اقرب :)

Post a Comment

قول ولا تجرحـش